“التجويع”: مأساة صامتة تفتك بالجسد.. فما الذي يعانيه فلسطينيو غزة؟



06:14 م


الخميس 24 يوليه 2025

كتب- محمود الطوخي

وسط تصعيد العدوان الإسرائيلي على غزة وإحكام الحصار الممتد منذ نحو عامين، تزداد جريمة “التجويع” بشاعة وتتكشف آثارها يوما بعد آخر؛ إذ أسفرت حتى الآن عن وفاة العشرات جرّاء سوء التغذية الحاد.

وفي أحدث بيان، الخميس، أعلن المكتب الحكومي في غزة وفاة أكثر من 115 فلسطيني نتيجة التجويع وسوء التغذية على ضوء الانعدام شبه الكامل للغذاء والماء والأدوية في القطاع.

ووفقا لإحصائية وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، يعاني 1 من بين كل 5 أطفال في غزة سوء التغذية الحاد، موضحة على لسان مفوضها العام فيليب لازاريني أن أعداد الحالات تتزايد.

وأكد لازاريني، أن ما وصفه بـ”شبح المجاعة” يتمدد بصمت في غزة، قائلا: “غالبية الأطفال في القطاع نحيلون وضعفاء.. إنهم يواجهون خطر الموت ما لم يتلقوا العلاج بشكل عاجل”.

من جانبه، وصف المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم، المجاعة في غزة بأنها “قاتل آخر يُضاف إلى الرصاص والقنابل” يهدد حياة المدنيين في القطاع.

ومع تردّي الأوضاع في غزة يوما بعد آخر، وجّهت أكثر من 100 منظمة إغاثية وحقوقية، نداء عاجلا من أجل السماح بالوصول إلى الجوعى في القطاع، يوم أمس الأربعاء.

غضب أوروبي مدفوع بـ”التجويع”

بعد مرور نحو عامين على بداية العدوان على غزة وما تلاه من انتهاكات للقانون الدولي، برز ما يمكن وصفه بأنه “استفاقة أوروبية” مدفوعة بغضب شعبي؛ إذ شهدت الأسابيع الأخيرة تحولا لافتا في مواقف بعض حلفاء إسرائيل.

وحذّر متحدث باسم الاتحاد الأوروبي، إسرائيل من عدم الوفاء بالتزاماتها مؤكدا أن “كل الخيارات مطروحة على الطاولة” في ظل الأوضاع الخطيرة في غزة. في حين طالب 60 نائبا في البرلمان الأوروبي، بتحرك فوري إزاء الوضع الإنساني “الكارثي” في غزة، مؤكدين أن الأطفال في القطاع “يموتون جوعا والاتحاد الأوروبي يرد بكلمات ضعيفة دون أي فعل”.

إلى جانب ذلك، دعا النواب الأوروبيون في رسالة، اليوم الخميس، إلى فرض عقوبات عاجلة على إسرائيل ومؤسسة “غزة الإنسانية” التي تقوم بتوزيع المساعدات في القطاع بدعم أمريكي إسرائيلي.

وفي إطار متصل، انتقد 13 سفيرا ألمانيا سابقا تقاعس حكومتهم تجاه الانتهاكات الإسرائيلية، مشددين على ضرورة ألا يكون انتقاد دولة حليفة ترتكب أخطاء محظور في ألمانيا.

“التجويع” وهدم البنيان

بينما تتواصل المحاولات الأممية والدولية، للضغط على إسرائيل لفك الحصار على غزة وتخفيف وطأة مسألة “التجويع” التي صنعتها، يستمر سوء التغذية الحاد في الفتك بالفلسطينيين بمن فيهم الأطفال، فما هي الآثار الصحية المترتبة على نقص الغذاء؟

في مايو الماضي، صنّف برنامج الأغذية العالمي ووكالة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف”، ما يقرب من 500 ألف نازح في غزة، ما يقرب من خمس السكان، بأنهم يعانون انعدام الأمن الغذائي، وهي أعلى درجات التصنيف العالمي للجوع. فيما يعاني باقي سكان القطاع درجات متباينة من الجوع الحاد.

– استهلاك “موارد الطاقة المخزنة”

ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، يؤدي الجوع إلى فقدان الطاقة والشعور بالإعياء في بدايته حتى يصل عبر عدة مراحل إلى فشل الوظائف الحيوية للجسم.

فعند انعدام الغذاء، يبدأ الجسد في استهلاك “الجليكوجين”، نوع من السكر مخزن في الكبد والعضلات، لتوفير احتياجاته من الطاقة، غير أن هذا البديل ينفد خلال 24 ساعة، وفق منظمة الصحة العالمية.

في المرحلة التالية، يلجأ الجسم إلى عملية تُعرف بـ”التكيف الكيتوني”، إذ يقوم بتحويل الدهون إلى أجسام كيتونية لتغذية الدماغ والعضلات، ما يتسبب في إضعاف الجسم تدريجيا، والشعور بالدوار وفقدان الشهية، فضلا عن اضطرابات في التركيز وإصابة الشخص بحالة من الهزال الشديد.

وبعد أن تنفد كتلة الدهون المخزنة، يقوم الجسم بعملية أكثر خطورة، حيث يقوم بتفكيك البروتينات العضلية لاستخدامها كمصدر للطاقة في ما يُعرف بعملية “تحلل العضلات الذاتي”. وتشير منظمة الصحة العالمية إلى هذه المرحلة تقود إلى فقدان متسارع في الكتلة العضلية بما في ذلك “القلب”، ما قد يؤدي إلى فشل عضلي متعدد في حال لم يُعالج الشخص سريعا.

– انهيار “خطوط الدفاع الجسدية”

تؤكد منظمة الصحة العالمية، أن انعدام الغذاء يقود إلى تدهور الجهاز المناعي، إذ أن غياب الفيتامينات والبروتينات خاصة الزنك وفيتامين “أيه”، يؤدي إلى إضعاف إنتاج خلايا الدم البيضاء ويعطل قدرة الجسم على مقاومة العدوى ومكافحتها.

وكشفت الصحة العالمية في تقرير أصدرته في مارس الماضي، أن الأطفال المصابين بسوء التغذية في غزة يعانون من التهابات متكررة في الجهاز التنفسي وحالات إسهال شديد تهدد حياتهم مع انعدام الرعاية الصحية.

الأطفال: أول ضحايا التجويع

في مايو الماضي، سجّلت “يونيسيف” ما يزيد عن 5 آلاف حالة سوء تغذية بين الأطفال الذي تتراوح أعمارهم بين 6 أشهر و5 أعوام، موضحة أن من بينهم 636 في حالة “هزال شديد” وهي أخطر أشكال سوء التغذية والتي تُصنّف كتهديد مباشر للحياة.

وأحصت الأمم المتحدة، في الشهر نفسه، ما لا يقل عن 71 ألف طفل و17 ألف امرأة حامل ومرضعة يحتاجون إلى تغذية فورية عاجلة.

وفي يونيو الماضي، قالت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، إن عشرات الأطفال يموتون يوميا نتيجة مضاعفات سوء التغذية دون التمكن من إنقاذهم بسبب الحصار الإسرائيلي ونقص مكملات التغذية العلاجية.

المدى الزمني

في الأيام الثلاثة الأولى من التوقف عن تناول الطعام، يبدأ وزن الإنسان بالانخفاض، حيث يتمكن الجسم من التكيف جزئيا مع هذا النقص، لكن استمرار الجوع بعد ذلك يؤدي إلى هبوط في درجة حرارة الجسم، مما يسبب شعورا بالخمول والإرهاق الشديد.

ومع استمرار الحرمان من الغذاء، تبدأ الأضرار في التأثير على الكبد والكلى، مع ضعف قدرة الجسم على تنظيم ضغط الدم، مما قد يتسبب في فقدان الوعي، وفي مراحل لاحقة، يعاني الأفراد من أمراض خطيرة مثل الإسقربوط والبلاجرا نتيجة نقص الفيتامينات والمعادن، حتى تبدأ أعضاء الجسم بالتوقف تدريجيا، باستثناء الدماغ الذي يستمر لفترة أطول.

وتشير التقديرات إلى أن قدرة الإنسان على البقاء على قيد الحياة تعتمد على وزنه، مخزون الدهون في جسمه، ووضعه الصحي، وبشكل عام، يواجه الشخص خطر الموت عندما يفقد حوالي نصف وزنه الطبيعي، وفق مؤشر كتلة الجسم، وهو ما يحدث عادة بعد 45 إلى 61 يومًا من الانقطاع التام عن الطعام.

Exit mobile version