التخطيط المتكامل.. من الرؤية إلى الإنجاز اليومي

[


]

هالة الجودر

في الواقع التعليمي، لا تبنى جودة المخرجات على المصادفة، ولا تتقدم المؤسسات التعليمية دون تخطيط منهجي يستند إلى معايير الجودة، فالمدرسة كمؤسسة تربوية حيوية، لا تحقق أهدافها إلا من خلال منظومة تخطيط متكاملة تبنى على بيانات دقيقة وترتبط بأهداف قابلة للتحقيق والقياس، فالتخطيط يضمن اتساق الجهود واستدامة الأثر واستباق التحديات برؤية واضحة.

يستند هذا التخطيط إلى نموذج هرمي يتكون من ثلاثة مستويات مترابطة: التخطيط الاستراتيجي، والتنفيذي، والتشغيلي ورغم تفاوت هذه المستويات في العمق والمدى الزمني والتفصيل، إلا أنها تتكامل لتشكل دورة تطوير فعالة محكومة بالمؤشرات وقائمة على الواقع وقابلة للتقييمتبدأ منظومة التخطيط أولاً بـالتخطيط الاستراتيجي – خارطة الطريق: تخيل أنك تقف على قمة جبل (الواقع) وتتطلع نحو قمة أخرى في الأفق (المأمول) تتأمل مدرستك بعد ثلاث سنوات: من هم طلابها؟ ما المهارات التي يمتلكها خريجوها؟ في هذا المستوى يتم تحليل البيئة الداخلية والخارجية باستخدام أدوات مثل SWOT، ومن خلالها تصاغ الرؤية والرسالة وتحدد الأهداف العامة المرتبطة بمجالات رئيسية كإنجاز الطلبة الأكاديمي، وعمليات التعليم والتعلم والتقويم. وتعد هذه الأهداف بمثابة البوصلة التي توجه المدرسة نحو غاياتها الاستراتيجية.

ثم تنتقل المدرسة إلى المستوى الثاني وهو التخطيط التنفيذي – ترجمة الرؤية إلى مشاريع، حيث تفكك الأهداف العامة إلى أهداف تنفيذية خاصة (SMART)، وفي هذا المستوى يتم تصميم مبادرات ومشاريع نوعية تشكل الجسر الذي يربط بين قمة الواقع وقمة المأمول نسير عليه بخطوات مدروسة نحو الطموح. حيث تهدف هذه المشاريع إلى سد الفجوات وتحقيق التحسين، تحدد في الخطة التنفيذية الفئات المستهدفة، والجدول الزمني، والموارد، والجهات المنفذة، وأدوات القياس، و»المستوى القبلي «الوضع الحالي و»المستوى البعدي» المستوى المستهدف إلى جانب تحديد مؤشرات الأداء (KPIs) التي تتيح المتابعة المرحلية وقياس الأثر، وذلك خلال فترة زمنية (عادة سنة).

وفي المستوى الثالث، التخطيط التشغيلي – الإنجاز اليومي، تنتقل المشاريع إلى حيز التنفيذ الواقعي من خلال خطط تشغيلية تعدها الأقسام المختلفة بالمدرسة، يشتق كل قسم خطته التشغيلية من محتوى الخطة التنفيذية وتفصل هذه الخطط الأنشطة والإجراءات والمهام، وتحدد المسؤوليات، وتضبط الجداول الزمنية، وأدوات التوثيق وطرق التقييم، مركزة على تفاصيل التنفيذ اليومي والأسبوعي والشهري، بما يضمن تطبيقاً دقيقاً ومتقناً.

وأخيراً تستكمل المنظومة بمرحلة رابعة (التقييم والتحسين المستمر): تبدأ بتقييم الأنشطة التشغيلية، ثم يقيم أثر المشاريع التنفيذية، وصولاً إلى قياس مدى تحقق الأهداف، تسهم هذه المرحلة في اكتشاف الفجوات، وتغذية دورة التحسين المستمر.

إن جوهر التخطيط هو الإجابة عن سؤالين محوريين: «ماذا نفعل؟» لتحديد الوجهة الاستراتيجية وهي الأهداف العامة والخاصة، و«كيف نفعل ذلك؟» تحديد إجراءات الخطط التنفيذية والتشغيلية.

والمدرسة عالية الأداء هي التي تتقن إدارة التكامل بين مستويات التخطيط، الاستراتيجي يوجه، والتنفيذي يترجم، والتشغيلي ينجز. هذه المنظومة عندما تدار بكفاءة، يتحول التخطيط من وثائق ساكنة إلى محرك ديناميكي يقود المدرسة نحو التميز.

* مستشار في جودة التميز للاستشارات التعليمية

Exit mobile version