الخليج العربي.. جبهة واحدة لا تنكسر


توفيق السباعي

وسط ضجيج الصواريخ وأزيز الطائرات الذي لفّ المنطقة مع اندلاع الحرب الإسرائيلية – الإيرانية الأخيرة، ارتفع صوت الحكمة الخليجية ثابتاً وواضحاً: أمننا جماعي، وسيادتنا غير قابلة للمساومة. فحين تعرّضت دولة قطر الشقيقة لاعتداء صاروخي إيراني، لم ينظر قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية إلى الحادثة بوصفها أزمة قطرية معزولة؛ بل اعتبروها مساساً مباشراً بسلامة البيت الخليجي كلّه؛ ومن ثم جاء الردّ على قدر التحدّي، سريعاً ومتوازناً، يجمع بين حزم الدفاع ومرونة الدبلوماسية.

أولى خطوات هذا الردّ كانت تفعيل قنوات الاتصال بين أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون الخليجي على مدار الساعة. لقد بدت عواصم دول الخليج العربي وكأنها في «قمة طوارئ دائمة»: اتصالات هاتفية، تنسيق استخباراتي، وخطوط ساخنة مع حلفاء دوليّين لضمان أن يكون الموقف متحداً في الأسلوب واللغة والأهداف. وتوازى ذلك مع إجراءات دفاعية واقعية: رفع جاهزية المنظومات الجوية، وحالة تأهب عالية لقوات «درع الجزيرة»، وإغلاق مسارات جوية احترازياً. هذه التحركات لم تهدف فقط إلى ردع مزيد من الاستهداف، بل إلى طمأنة المواطن الخليجي بأن ظهره محمي بسقف أمني واحد، يظلّل الجميع بلا استثناء.

في موازاة المشهد العسكري، مضت الدبلوماسية الخليجية بثقلها الكامل داخل أروقة الأمم المتحدة، وعواصم القرار الكبرى، لتؤكّد أن استمرار التصعيد يهدّد تدفّق الطاقة وسلاسل الإمداد العالمية، ويضع المنطقة على حافة مواجهة لا يريدها أحد. هنا تجلّت خبرة أربعة عقود من بناء الشراكات الإقليمية والدولية: فخطاب الخليج كان واقعياً، يلوّح بخطورة الانفلات، لكنه أيضاً يُبقي باب التهدئة مفتوحاً، ويراهن على القانون الدولي لا على لغة الثأر.

لم يكن تحرّك القيادات منفصلاً عن نبض الشارع. فقد التقت الإرادة الرسمية مع التماسك الشعبي؛ إعلام خليجي موحّد، ومنصّات تواصل تعجُّ بعبارات التضامن مع الدوحة، ودعوات جامعة بأن يحفظ الله دولة قطر الشقيقة ودول الخليج العربي من كيد المعتدين. هذه اللحمة الشعبية تضرب جذورها في ذاكرة مشتركة من التحديات: غزو الكويت، الاعتداءات على الناقلات، وأزمات الطاقة المتكررة، وكلها صقلت شعوراً عميقاً بأن الحصن الخليجي يُبنى بالتكاتف لا بالتفرُّق.

إن خصوصية النموذج الخليجي لا تتجلّى في سرعة امتصاص الصدمات فحسب؛ بل في امتلاكه رؤية إستراتيجية طويلة المدى: فالمجلس يدرك أن صون الاستقرار الاقتصادي يتطلّب بيئة إقليمية آمنة، وأن الاستثمار في الإنسان الخليجي لا يكتمل إلا ضمن مناخ يتنفس سلاماً. لذلك جاءت رسالته للعالم مزدوجة: نحن دعاة تسامح وحوار، لكننا أيضاً أصحاب سيادة لا تُمسّ وخطوط حمراء لا تُختبر.

ختاماً، أكّد هذا الامتحان الصعب أن دول الخليج العربي، قيادةً وشعوباً، جسدٌ واحدٌ لا تنفصم عراه. ومثلما اجتاز سابقاً عواصف أكبر، فهو اليوم يعيد تعريف معادلة الردع الإقليمي: حكمةٌ راسخة، وحدةٌ لا تتزعزع، وإرادةٌ تطل على المستقبل بثقةٍ لا تهتز. لذلك اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، نحن بحاجة إلى ترسيخ هذا النموذج الوحدوي الخليجي، وتوريثه للأجيال القادمة كقيمة لا تُقدّر بثمن. فمجلس التعاون هو درع الخليج، وحصنه الحصين، وهو النعمة التي يجب أن تُصان لا أن تُؤخذ كأمر مسلّم به. وفي كل أزمة، تبرهن الأيام أن وحدة الموقف الخليجي ليست خياراً، بل ضرورة وجودية.

اللهم احفظ خليجنا العربي من كل شر، وبارك في قادته، وأدم علينا وحدة الصف، ونعمة الأمن والاستقرار.

Exit mobile version