السياحة والتوأمة الرقمية | صحيفة الوطن
[
]
هل تخيلت يوماً أن تزور أحد المعالم السياحية وأنت في منزلك؟ أو أن تخطط لرحلتك وكأنك هناك بالفعل، تستشعر الأماكن وتختبر الأجواء قبل أن تحجز تذكرتك؟ لم يعد هذا ضرباً من الخيال، بل أصبح حقيقة بفضل «التوأمة الرقمية» – الابتكار الذي يعيد تشكيل مستقبل السياحة، والبحرين ليست بعيدة عن هذا التحول. ففي عالمٍ أصبحت فيه المدن تنبض بذكاء رقمي، تقف البحرين أمام فرصة فريدة: أن تكون أول من يُحوّل «الجمال الهادئ» إلى «جمال ذكي».
فالتوأمة الرقمية تحوّلت إلى جسرٍ جديد بين السائح والمكان. عبر إنشاء نسخة افتراضية ثلاثية الأبعاد لأي وجهة سياحية مطابقة تماماً لما في العالم الحقيقي ومعزّزة بالبيانات والصور والمعلومات التفاعلية. إنها نافذتك لاستكشاف المكان، دون أن تغادر مقعدك.. من خلال جمع بيانات واقعية عبر تقنيات مثل إنترنت الأشياء، والذكاء الاصطناعي، والواقع المعزز، ما يسمح بمحاكاة سلوك هذا الكيان في الزمن الحقيقي.
وهنا يمكن للبحرين التحول من تاريخ اللؤلؤ إلى المستقبل الذكي فماذا لو أمكنك كسائح التجوّل داخل «قلعة البحرين» ورؤية تفاصيلها بدقة قبل أن تلمس حجرها فعلياً؟ أو أن تعيش تجربة الغوص في مياه «جزر حوار» من خلال جهاز الواقع الافتراضي؟ أو التجول داخل سوق المنامة افتراضياً، أو استكشاف متحف البحرين الوطني قبل زيارته هذا هو بالضبط ما تعد به التوأمة الرقمية. فالبحرين، بجزرها الخلابة وتراثها الثقافي العريق، تملك جميع المقومات لتكون رائدة في اعتماد التوأمة الرقمية لدعم قطاع السياحة. من خلال بيئة تفاعلية ثلاثية الأبعاد.
هذه التجارب لا تزيد من جاذبية الوجهة فقط، بل تساعد السياح في اتخاذ قرارات مدروسة قبل السفر، مما يرفع معدلات الرضا ويقلل من المفاجآت. علاوة على دعم السياحة في المواسم الراكدة: حيث يمكن تقديم جولات افتراضية وتفاعلية خلال الفترات التي يقل فيها الإقبال السياحي وتحليل تفاعل المستخدمين مع النسخة الرقمية لتعديل الخدمات وتحسينها باستمرار. فالتوأمة الرقمية تعد البوابة الذكية لتجربة سياحية لا تُنسى في البحرين.
ومع التحول الرقمي الذي تشهده المملكة في إطار رؤية البحرين الاقتصادية 2030، فإن دمج التوأمة الرقمية في القطاع السياحي يمنح البحرين دفعة هائلة نحو مستقبل ذكي يجمع بين التراث والتكنولوجيا. لتخطو البحرين خطوات ثرية على أعتاب ثورة سياحية رقمية تدعم توجه المملكة لتكون مركزاً إقليمياً للابتكار الرقمي، وتعيد رسم ملامح القطاع السياحي.
وإن كنت تسأل لماذا الآن وماذا سيضيف سأقول لك إنه هام لجذب الجيل الرقمي فالشباب اليوم لا يكتفون بالصور، بل يريدون أن «يختبروا» كل شيء قبل أن يسافروا كما أن هذه التجربة التقنية يمكن أن تجعل التجربة والسفر للبحرين مثيرة لانتباه هذا الجيل فالتسويق الذكي للمناطق المختلفة عبر النسخ الرقمية التفاعلية يمكن أن يدعم الرغبة في زيارتها كما أن لذلك بعداً آخر مرتبطاً بدعم الاستدامة والوعي البيئي عبر تقليل الضغط المباشر على المواقع الأثرية كما لا يمكن أن نتغافل أن البيانات الذكية يمكن أن تسهم في تحسين الخدمات عبر تحليل سلوك المستخدمين لتحسين التجربة الحقيقية.
إن هذه التجربة مهمة لدعم البحرين الرقمية التي أصبحت فكرة خطت خطواتها في التطبيق، وليست خيالاً فالبحرين بوابة حضارية ومركز رقمي ناشئ، وكل ما تحتاجه المملكة هو تكامل بين الجهات الحكومية، وابتكار من الشركات السياحية، ودعم من المؤسسات الأكاديمية، لنشهد أول «جزيرة ذكية سياحياً» في الخليج. ففي سباق التحول الرقمي، لم تعد المدن تُبنى بالحجر وحده، بل بالبيانات أيضاً. ومع دخولنا عصر التوأمة الرقمية، أصبحت الدول تتنافس ليس فقط على البنية التحتية، بل على من يملك «نسخة رقمية» من مدنه وسياحته وإعلامه، فهل نبدأ من «سوق المحرق الافتراضي»؟ أم من «متحف اللؤلؤ الرقمي»؟ المستقبل بدأ الآن.. فهل نستعد له؟ الطريق مفتوح.. والبداية تبدأ بخطوة رقمية.
* أستاذ مساعد في الإعلام الرقمي