الدارك ويب.. العالم السفلي للإنترنت خطر يهدد الأفراد ويهدم المجتمعات
[
]
في ركن مظلم من شبكة الإنترنت، بعيدًا عن أعين جوجل ويوتيوب ووسائل التواصل الاجتماعي، يختبئ عالم غامض لا يشبه ما نعرفه من فضاءات رقمية، ويطلق على هذا العالم اسم “الدارك ويب”، أو كما يسميه البعض “الإنترنت المظلم” وفى بعض الدول “الديب ويب”.
ما هو الدارك ويب؟ سؤال يبدو بسيطًا لكنه يحمل الكثير من التعقيد
“الديب ويب” أو الدارك ويب هو فضاء إلكتروني تتداخل فيه الجرائم الإلكترونية مع الأسرار، وتصبح الحرية المطلقة غطاءً للفوضى والانهيار الأخلاقي، وقليلون من يعرفون تفاصيله، وأقل منهم من يدركون خطورته الحقيقية، لكنه موجود، وقد يدمّر حياتك دون سابق إنذار.
الدارك ويب ليس موقعًا واحدًا، بل هو طبقة مخفية من الإنترنت لا تظهر في محركات البحث ولا يمكن تصفحها بالطرق المعتادة، وتحتاج للدخول إليه إلى أدوات خاصة مثل متصفح Tor، الذي يخفي هوية المستخدم، ويتيح له الوصول إلى مواقع تنتهي بامتدادات غريبة مثل “onion”.
ورغم أن هذا المستوى من الخصوصية قد يخدم أحيانًا نشطاء حقوق الإنسان أو الصحفيين في بعض الدول، لكن الحقيقة المؤلمة أنه أصبح بيئة خصبة للجرائم التي لا يمكن تصورها من تجارة المخدرات، إلى بيع الأسلحة، إلى الاستغلال الجنسي للأطفال، وصولًا إلى عمليات احتيال معقّدة وبيع بيانات مصرفية مسروقة.
الشكل الغريب لعالم الدارك ويب: ظلمة تقنية وأخلاقية
من يغامر بالدخول إلى هذا العالم سيُفاجأ بواجهة بدائية تكاد تكون خالية من الألوان، ومواقع بأسماء مشفّرة لا توحي بشيء، وصفحات سوداء مليئة بعروض غير قانونية تُعرض ببرود صادم، وستجد بطاقات ائتمان معروضة للبيع، خدمات هاكرز لاستهداف أشخاص أو شركات، عروضًا لتأجير قتلة مأجورين، وأسواقًا لتجارة الأعضاء البشرية، وكل ذلك يتم في سرية تامة باستخدام عملات رقمية غير قابلة للتتبع، مثل البيتكوين، التي تضيف طبقة إضافية من الحماية للمجرمين.
كيف تعمل أسماء مواقع الدارك ويب ولماذا تبدو غريبة؟
تختلف أسماء مواقع الإنترنت المظلم تمامًا عن تلك التي نستخدمها يوميًا، فهي لا تبدأ بـ”www” ولا تنتهي بـ”com.” أو “net.”، بل تأتي كسلاسل عشوائية من 16 حرفًا وتنتهي بـ”onion”، ما يجعلها غير مفهومة أو قابلة للحفظ بسهولة، وتُعرف هذه العناوين باسم “خدمات Tor المخفية”، وتُولد عبر عمليات تشفير معقّدة تبدأ بإنشاء مفتاحَي تشفير (عام وخاص)، ثم يتم تحويل جزء من المفتاح العام إلى تنسيق ASCII لإنتاج العنوان الفريد.
وبخلاف الإنترنت التقليدي، لا تعتمد مواقع الدارك ويب على نظام أسماء النطاقات (DNS) العادي، بل تُستخدم شبكة Tor ذاتها في اكتشاف هذه المواقع والاتصال بها عبر طبقات من التشفير تضمن إخفاء هوية المستخدم والموقع في آنٍ واحد.
ولا يوفر هذا النظام فقط الخصوصية بل يُصعّب أيضًا على أي جهة تتبع النشاط أو تحديد الأطراف المشاركة في الاتصال، ما جعله بيئة مثالية لكل من يبحث عن إخفاء الهوية، سواء لأسباب مشروعة أو إجرامية.
ما هي مخاطر الدارك ويب؟ عندما يتجاوز الأذى حدود الشاشة
الدارك ويب لا يؤذي مستخدميه فقط، بل يمتد تأثيره إلى المجتمعات بأكملها، فعلى المستوى الفردي يمكن أن تؤدي سرقة البيانات الشخصية إلى كوارث مالية واجتماعية، وقد يقع البعض ضحايا للابتزاز أو التشهير.
أما الأطفال والمراهقون، فهم أكثر الفئات عرضة للاستغلال، سواء من خلال المحتوى المحظور أو عبر التلاعب بهم لأهداف إجرامية.
وعلى صعيد أوسع، يوفر الدارك ويب غطاءً لتمويل الإرهاب وغسل الأموال وتجارة الأسلحة، ما يُقوّض أمن الدول واستقرارها، وكل ذلك يحدث في الخفاء، دون أن تلتقطه الكاميرات أو ترصده القوانين.
جرائم حقيقية تسبب فيها الدارك ويب هزّت الواقع
ليس ما يحدث في الدارك ويب مجرد خيال أو نظريات مؤامرة، إذ أسّس الأمريكي روس أولبريخت في عام 2011، موقع “سيلك رود”، الذي تحول إلى أكبر منصة إلكترونية لتجارة المخدرات والأسلحة، وبعد تحقيقات طويلة، تمكنت السلطات الأمريكية من إغلاق الموقع والحكم على مؤسسه بالسجن مدى الحياة.
وفي الجانب الآخر من العالم، وتحديدًا في مصر، أُثيرت ضجة عام 2022 بعد الكشف عن تسريب ضخم لبيانات ملايين المواطنين، عُرضت للبيع في مواقع على الدارك ويب، ما كشف هشاشة بعض قواعد البيانات الرسمية والخاصة.
كما أقدم طالب في المرحلة الثانوية على قتل زميله بعد أن تأثر بمحتوى تحريضي عثر عليه في أحد منتديات الديب ويب، وبحسب التحقيقات، اعترف الجاني بتواصله مع مجموعات مشبوهة تقدم “تحديات القتل” مقابل مكافآت رقمية عبر منصات مشفّرة، وأكد أنه لم يكن ليستطيع الوصول إلى تلك المواد لولا استخدامه لمتصفح Tor، وهذه الحوادث، وغيرها، تؤكد أن ما يحدث في الظل قد يُشعل حرائق في الواقع.
لماذا يستحيل القضاء على الدارك ويب بشكل كامل؟
الحرب ضد الدارك ويب ليست سهلة، بل معقدة إلى درجة تجعل فكرة القضاء عليه نهائيًا شبه مستحيلة، ويعود السبب الأساسي إلى طبيعته اللامركزية واعتماده على تقنيات تشفير تُخفي الهوية والمسار، ما يجعل تتبعه ومراقبته مهمة شبه مستحيلة حتى لأقوى أجهزة الاستخبارات، وتقليص أضراره ليس مستحيلًا، ويمكن للدول أن تستثمر في تطوير أدوات رقمية قادرة على كشف الأنشطة المشبوهة، وسن قوانين مرنة ومتجددة، وتعزيز التعاون الدولي، إلى جانب دور الإعلام والمدارس في توعية الناس، خصوصًا الشباب الذين قد يقعون ضحية للفضول أو الخداع.
الدارك ويب ليس لعبة ولا تجربة ممتعة
هناك من يعتقد أن الدخول إلى الدارك ويب مجرد مغامرة أو “تجربة مرة واحدة”، لكن الحقيقة أن هذا العالم لا يرحم، ومجرد زيارة موقع مشبوه قد تعني تعرض جهازك للاختراق، وقد تجد نفسك في اليوم التالي ضحية ابتزاز أو حتى مطاردة رقمية.
وفي هذا العالم، لا توجد قوانين تحميك، ولا يوجد من يسمعك إذا استغثت، إنه حقل ألغام رقمي تمشي فيه وحدك، وكل خطوة فيه قد تكون الأخيرة.