العملات المستقرة «جسر الثقة» في عالم التشفير المتقلب
[
]
بينما كانت أسواق العملات الرقمية ترتج بتقلبات مثل البيتكوين التي قد تفوق 10% في يوم واحد، أعلن مصرف البحرين المركزي في الثالث من يوليو الجاري إطاراً تنظيمياً للعملات المستقرة تلك الجسور الهادئة التي تربط بين عالم التمويل التقليدي والعالم الرقمي الثائر.
هذا التوقيت ليس مصادفة، ففي لحظة يشهد فيها الاقتصاد الرقمي تحولات جذرية، تبرز العملات المستقرة كحل عملي لفوضى التقلبات التي تجعل من عملة كالبيتكوين أداة مضاربة أكثر منها نقداً.
ويكمن السر وراء هذا الاستقرار أن العملات المشفرة تعتمد على مزاج السوق وحده، بينما تقف العملات المستقرة على دعامات ملموسة مثل دولار أمريكي، ذهب، أو حتى خوارزميات ذكية تحاكي سياسات البنوك المركزية.
تخيل أنك تبني منزلاً على أرض رملية (هذه هي البيتكوين) مقابل بناء ناطحة سحاب على أساسات خرسانية (هذه العملات المستقرة)، فالأولى قد تتهاوى مع عاصفة السوق، بينما الثانية تصمد لأنها مدعومة بقيمة حقيقية، وهذا ما جعل مملكة البحرين القلب المالي للخليج تسرّع خطاها لتنظيم هذا القطاع الحيوي وتأكيداً على مكانتها الرائدة في المنطقة.
لكن هل يعني ذلك أنها بلا مخاطر؟ بالطبع لا، فذكريات انهيار «تيرا» في 2022 لاتزال تنبهنا إلى أن بعض النماذج الخوارزمية قد تكون قصوراً من ورق، وهنا تكمن حكمة التنظيم البحريني الذي يفرض شروطاً صارمة للاحتياطيات والشفافية تمثل «صمام أمان» لمنظومة مالية ناشئة، حيث يطلب من المصدّرين الإفصاح عن كل دولار يدعم عملتهم الرقمية، تماماً كما تفعل البنوك التقليدية مع الودائع.
لماذا هذا الإقبال العالمي عليها إذن؟.. لأنها حلت معادلة مستحيلة، سيولة العملات الرقمية + استقرار النقد التقليدي بينما يستغرق تحويل دولار بين البنوك أياماً، تنتقل العملات المستقرة عبر الحدود في ثوانٍ وبأقل التكاليف، ولأنها لا ترتفع أو تهبط كالبيتكوين، أصبحت وقوداً أساسياً لـ«التمويل اللامركزي» (DeFi) ذلك النظام المصرفي الموازي الذي يعمل دون وسيط.
قرار مملكة البحرين هو اعتراف بأن المستقبل المالي سيجمع بين عوالم ظنها البعض متناقضة مثل الابتكار الرقمي والاستقرار النقدي.
العملات المستقرة ليست بديلاً عن العملات المشفرة، لكنها رفيق ضروري يكملها مثل جناحي طائر لا يطير بغيرها، فبينما تبقى العملات المشفرة كالبيتكوين وغيرها للاستثمار الطموح، تصبح العملات المستقرة للنقل اليومي والادخار الآمن.
والسؤال الآن هل ستتبع دول المنطقة خطى مملكة البحرين لبناء جسور الثقة هذه؟