تربية لامعة في الخير | صحيفة الوطن
[
]
عندما نُبرز لأبنائنا وفلذات أكبادنا تلك «القدوات الهزيلة» التي سطعت نجوميتها في سماء الإعلام بمجرد تفاهات، أو رقصات، أو بهوية غربية بحتة لا تمتّ لديننا الإسلامي بصلة، أو عندما نمسك بأيديهم بأنفسنا ليلتقطوا صوراً باهتة في أرض الفضاء المزعوم، فإننا بذلك قد جنينا على أنفسنا بتربية فارغة من أصولها ومبادئها الأصيلة، وأنشأنا جيلاً يتشبث بـ«الهوية الساذجة» التي سيكون مردودها السلبي على الأبناء عندما يكبرون وينشؤون على أرضيتها الهشّة!
يؤسفنا حقاً أن نرى تلك المناظر المُحزنة، في الوقت الذي تنشأ فيه العديد من المجتمعات على تربية أبنائها على حب الخير والعطاء، وإبراز القدوات الإيجابية في نفوس الأبناء، والتي يأتي في مقدّمتها «حب كتاب الله الكريم». فهناك من تربّوا على هذه المعاني في مجتمعات فقيرة، وبيئات بسيطة، فعاشوا من أجل حفظ كتاب الله، وتربّوا على تلقي العلم الشرعي، وعلى قيمة العطاء والتطوع وحب الخير في المجتمع.
نظرة فاحصة لتلك المعاني نلمسها في حلقات تعليم القرآن الكريم والسيرة النبوية العطرة، في جنبات المسجد الحرام بمكة المكرمة، وفي المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة، حيث تنتشر تلك الحلقات «حضورياً» للأطفال، وحلقات «التعليم عن بُعد» حول العالم، والتي تبدأ منذ الساعة الأولى بعد صلاة الفجر.
هناك استثمار كبير في تأسيس الشخصية على التعبد والتقرب من الله تعالى، وأن يكون القدوة الأولى والمعلّم الأول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي وضع دستوراً خالداً للأمة الإسلامية في كل مناحي الحياة، وكان إسلاماً يمشي على الأرض. بل وعلّم صحابته رضوان الله تعالى عليهم، وصغارهم، ما يجعلهم منارات خير في المجتمع. لم تكن حياة النبي صلى الله عليه وسلم عادية، أو محصورة في جنبات المسجد، بل كانت حياته كلها تعليماً وأثراً في حياة الأجيال. وهذا ما يجعلنا نؤكد على أهمية أن تتربى الأجيال على هذه المعاني، وقبسات الهدي النبوي الشريف، وحفظ وتعلّم كتاب الله الكريم. وأبسط ما في ذلك أن يتعلم النشء قراءة كتاب الله تعالى قراءة صحيحة مُجوّدة، فهي أصل تقويم اللسان.
نحن بحاجة ماسّة إلى أن نضع أيدينا على مواضع الخلل، وأن نسعى جاهدين لتقويم سلوكياتنا، والنهوض بعزائمنا، لنكون أثراً مستداماً في الحياة، وفي مقدّمتها ذلك الأثر الذي نسكب معانيه في نفوس الأبناء.
وعندما نسعى لصناعة منهج تربوي سليم، أو نخطط لمنهاج برامج صيفية أو ربيعية أو برامج تمكين مستدامة، فإن الخير كل الخير أن نبنيها وفق مبادئنا وقيمنا الإسلامية السامية، وأن نُبرز من خلالها القدوات اللامعة في كافة مجالات الحياة. فأجمل أثر وأعظم تربية مؤثرة إيجابية منتجة، هي تلك التي يقدمها «خبراء الحياة»، فهم من يصنعون القدوات، ويقوّمون اعوجاج السلوك، وينهضون بالمجتمعات.
وحريٌّ أن ترتبط تلك المعاني بـ«المهارات الحياتية» التي على أساسها نُنتج صنّاعاً مؤثرين في الحياة، يقدمون الخير في كل مناحيها. ومع الأسف، في أحيان كثيرة نبني برامجنا على أساس «الضوضاء الإعلامية»، فتكون المخرجات صفرية؛ بمعنى أن يصفّق المرء لنفسه لأنه حصل على شهادة تخريج من دورة شارك فيها، دون أثر ملموس.
هناك العديد من المؤثرين في تاريخنا المجيد، ومن بعدهم في الحقب المتتالية، ومن ثم صُنّاع المجد الوطني والحضاري في مجتمعاتنا، كلٌّ في مجاله.
يجب أن نُؤطّر لتربيتنا القويمة بشخصيات لها أساس راسخ ضمن إطار هويتنا الإسلامية والوطنية وهوية آبائنا وأجدادنا، وهذا ما يجب أن يلتفت إليه الآباء والأمهات والمربّون، كلٌّ في موقعه، والهيئات المعنية بتنظيم البرامج والمناشط المختلفة والدورات التدريبية. فالحاجة اليوم تملي علينا الاستفادة المثلى من أصحاب الخبرات المتراكمة، وخبراء إدارة التمكين والتأثير الإداري والحياتي، الذين أصبحوا قامات في المجتمع. ومع ذلك، يُنظر إلى بعضهم على أنهم عبء على المجتمع أو ثقل على المكان الذي يعملون فيه، في الوقت الذي يُعدّون فيه منارات للخير يجب أن يُحتذى بأثرهم، وأن يكونوا صُنّاع التغيير والتأثير والقدوات.
فما أحوجنا إلى أن نكون مربّين مؤثرين، نربي على الخير والعطاء والكلمة الطيبة، نربي على الاحترام والتقدير المتبادل، ونربي على احترام أصحاب العقول الإدارية الفذّة التي أعطت وقدّمت وضحّت وأثّرت، وأنتجت أجيالاً منتجة ومعطاءة ومؤثرة في حياتها.
ما أحوجنا إلى أن نربي على احترام أصحاب التاريخ الناصع المؤثّر، الذين قدموا للوطن وللحياة وللأجيال والشباب كل الخير، وعلّموهم كيف يحترمون الحياة، وأن يكونوا قدوات مؤثرة، تعطي بلا مقابل، وتبتغي الأجر من المولى الكريم.
ما أحوجنا لأن نربي أطفالنا وشبابنا على الابتعاد عن سفاسف الأمور، وعن أسلوب تأنيب الآخرين وتتبع عثراتهم، وأن نربيهم على حب الوطن واحترام الذات، وحب القيادة، والعطاء من أجل أجور الآخرة.
ومضة أملما أجمل أن نصنع رسائل الخير والسلام في المجتمع، وأن نكون قريبين من أولئك الذين تعلّمنا منهم الكثير، وأن نضعهم في مقدمة صفوف الخير، ومقدمة المؤثرين وصُنّاع برامج الخير، وأن يكونوا معنا في مسير الحياة، منارات للخير والعطاء والأثر الجميل.