تصعيد حوثي بالبحر الأحمر.. سيناريوهات الرد وهل تتدخل واشنطن؟
05:22 م
الخميس 10 يوليو 2025
كتبت- سلمى سمير:
بعد فترة من الهدوء النسبي في البحر الأحمر، عادت التوترات مجددًَا لتطل برأسها في المنطقة، ففي غضون يومين فقط، استهدفت جماعة أنصار الله الحوثي سفينتين، إحداهما مملوكة لليونان، في هجمات متكررة تنذر بتجدد التوترات في أحد أهم الممرات البحرية العالمية.
ويُعد التصعيد الأخير الأول من نوعه منذ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في مايو الماضي، وقف الحملة العسكرية الجارية ضد الحوثيين، مقابل التزام الجماعة بوقف هجماتها على المصالح الأمريكية في المنطقة. غير أن التطورات الميدانية الأخيرة تشير إلى أن هذا التفاهم قد يكون قد انهار بالفعل، مع تزايد المخاوف من اتساع رقعة الاشتباك في البحر الأحمر واحتمال عودة التدخل الأميركي المباشر.
هل تتدخل أمريكا؟
في هذا السياق، يقول الدكتور إسلام المنسي، الخبير المختص في الشأن الإيراني، في تصريحات خاصة لـ”مصراوي”، إن “الاتفاق بين الولايات المتحدة الأمريكية والحوثيين كان ينص على أن الحوثي يتوقف عن استهداف الملاحة الدولية، وليس عن استهداف إسرائيل. وبالفعل، توقف الحوثي بعد الاتفاق عن استهداف الملاحة، بينما استمر في استهداف إسرائيل بالصواريخ. وكانت إسرائيل هي من ترد عليه، أما الولايات المتحدة فبقيت خارج اللعبة تمامًا، لأن اتفاقها كان قاصرًا على حماية الملاحة الدولية”.
ويضيف المنسي أن ما حدث مؤخرًا هو “عودة الحوثي لاستهداف الملاحة الدولية”، مشيرًا إلى أن، ذلك يأتي بالتزامن مع تواجد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في واشنطن، والذي مدد زيارته.
وحول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستتخذ قرار بالتدخل في المعركة ضد الحوثيين، يقول المنسي، إنه بالتأكيد يمكن توقع تدخل قريب للولايات المتحدة، مرجحًا احتمالية رؤية عملية عسكرية أمريكية ضد الحوثيين، وذلك رغم الضربات الإسرائيلية المتفرقة خلال الفترة السابقة، إلا أن الضربة الأمريكية ستختلف من حيث توسع وتكرار الهجمات بحسب المنسي.
وأوضح المنسي أن، إيران، التي يفترض أن هناك مسارًا تفاوضيًا قائمًا بينها وبين واشنطن، تعرضت لهجوم عسكري من إسرائيل بمشاركة أمريكية، رغم الحديث عن نتائج إيجابية للمفاوضات، مشيرًا إلى أن الأمر لن يكون نفسه مع الحوثيين الذين يُعتبر التفاهم معهم هش أو منتهك خصوصًا بعد أن عادوا لاستهداف الملاحة الدولية.
من جهته، قدم الدكتور محمد عبادي، الخبير في الشأن الإيراني، قراءة مغايرة لتطورات المشهد، مؤكدًا في تصريحات خاصة لـ”مصراوي” أن “الردع الحوثي له سياقين مهمين للغاية: الأول سياق قيمي، متعلق بأنه تعبير عن نصرة غزة عبر الإمكانات المتاحة للحوثيين، سواء باستهداف إسرائيل مباشرة، أو من خلال استهداف الملاحة في البحر الأحمر، وفقًا للحظر الذي فرضوه على حرية الملاحة المتجهة إلى الأراضي المحتلة أو الملاحة ذات الطابع العسكري”.
ويضيف عبادي: أن “السياق الثاني، والمهم للغاية، يتعلق بالصواريخ الإيرانية. فكل الصواريخ التي يستخدمها الحوثي هي نسخ أو تحمل تسميات مختلفة لصواريخ إيرانية، وبالتالي تُستخدم كجزء من التجربة الإيرانية”.
وحذر عبادي من خطورة التصعيد الأخير، قائلًا إنه تطور نوعي من خلال الاستهداف المباشر للسفن المتجهة إلى إسرائيل، ففي السابق، كان الحوثيين يتغاضون عن بعض السفن، لكن أن يذهب الحوثي بنفسه، بقواته، وباستخدام زوارق حديثة، ويقوم بإغراق سفينتين، ويتسبب في سقوط قتلى، فهذا يعني أن هناك تصعيدًا جريئًا للغاية، وأن الحوثي مستعد للذهاب إلى أقصى مدى، حتى لو كان ذلك بتخريب الملاحة بالكامل في البحر الأحمر، بحسب تعبيره.
وحول الموقف الأمريكي، قال عبادي: إنه “لا يتوقع أن واشنطن ستعيد الاشتباك المباشر مع الحوثيين، خاصة وأن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، كان قد أعلن أن قرار وقف الاشتباك مع الحوثيين نهائي، وأنه لا ينوي فتح هذا الباب مجددًا، مشيرًا في الوقت ذاته أن الوضع على الأرض قد يفرض خيارات جديدة.
وحول الرد الإسرائيلي واستمراره، أكد عبادي أن الهجمات الإسرائيلية ستظل مستمرة، وذلك مع وصول المنطقة لوقت أصبح فيه “لا يُعرف من يرد على من”.
وحذر عبادي من أن التصعيد المتبادل قد يؤدي إلى توسيع رقعة الاشتباك في البحر الأحمر، وهو ما ستكون له تداعيات سلبية على مصر، بسبب قناة السويس، وكذلك على الخليج بسبب تصدير النفط”، مؤكدًا أن الحوثيين يخوضون مخاطرة كبيرة، سواء في سياق إعادة ترميم النفوذ الإيراني بالوكالة، أو في سياق كسب شرعية داخلية بتقديم أنفسهم كـ “الجيش اليمني” في مواجهة الحكومة الشرعية، التي غابت تمامًا عن المشهد العسكري حاليًا”.
كما أشار إلى أن، المخاطر الأخرى تتعلق بقدرة الحوثي على تحمل الضربات الإسرائيلية، خاصة من طائرات مثل “إف-35” الشبكية، أو “إف-15” و”إف-16″، والتي قد تستهدف مقراته أو مناطق نفوذه الحيوية.
أسباب التصعيد الحوثي
وعند سؤاله عن أسباب خرق الحوثيين للاتفاق، قال المنسي: “لا يمكن النظر إلى التصعيد الحوثي في أي وقت بمعزل عن الملف الإيراني، لأن الحوثيين هم أحد أذرع إيران في المنطقة. وعندما تصل المفاوضات بين إيران وواشنطن إلى حالة من التعثر، أو عندما يمارس الطرفان ضغوطًا متبادلة بهدف دفع كل طرف لتقديم تنازلات، فمن الطبيعي أن نرى تصعيدًا من وكلاء إيران مثل الحوثيين”.
ويؤكد المنسي أن إيران اليوم “لديها أوراق ضغط أضعف من السابق”، ولذلك “من الممكن أن نقرأ هذا التصعيد الحوثي ضمن هذا السياق: محاولة لتعزيز الموقف التفاوضي الإيراني”.
ويضيف: “يمكن أن يتوقف التصعيد إذا تم التوصل إلى تفاهمات بين إيران وواشنطن، بغض النظر عن الخطاب الحوثي الذي يربط هذا التصعيد بدعم غزة.
وأكد المنسي أن المسألة تتعلق باستخدام النفوذ، وليس الردع الحقيقي. وهذا كله مرتبط بالسياق الإيراني، وليس فقط بقضية غزة. لذلك قد تشهد المعادلة تدخلًا أمريكيًا ضد الحوثيين في الفترة المقبلة، إلا إذا تم التوصل إلى تفاهم مباشر ما بين إيران وأمريكا، حينها قد نرى تراجعًا في التصعيد الحوثي. ولا يشترط أن يكون هذا التفاهم رسميًا، بل يمكن أن يكون مؤقتًا أو طويل المدى، بحسب الظروف.
من جانبه أكد عبادي أن “الحوثيين يُعتبرون آخر شريان لوكلاء إيران القادرين على التصعيد ضد إسرائيل، وذلك مع فقدان حزب الله اللبناني جزءًا كبيرًا من إمكانياته، وكذلك الفصائل السابقة، حيث لم يتبقّ سوى الحوثيين، . لذلك، فإن هذا التصعيد يحمل بعدًا مهمًا لإيران التي تحاول إثبات أن مشروعها القائم على الوكلاء والنفوذ الخارجي لا يزال مستمرًا”.
وأضاف عبادي، أن التصعيد الحوثي الأخير لديه، بعد مهم يتعلق بإعادة بناء النفوذ الإيراني بالوكالة في البحر الأحمر، قائلا إن الحوثيين، من خلال هذه التحركات، يكتسبون شرعية كبيرة تحت ستار مقاومة إسرائيل، ويقدمون أنفسهم على أنهم الجيش اليمني.
وتابع عبادي، أن قراءة البيانات الصادرة، ليست تحت اسم أنصار الله فقط، بل تحت مسمى الجيش اليمني، وكأن الحركة انتقلت من كونها ميليشيا متمردة إلى قوات مسلحة تمثل الدولة، خاصة في ظل الاشتباك مع إسرائيل وأحيانًا مع الولايات المتحدة.