أخبار العالم

وطن يجمعنا بـ«التراحم والانتماء» | صحيفة الوطن

[


]

المجتمعات الراقية والمتحضرة هي تلك التي تحرص على أن تبني بين أفرادها روابط قوية وإنسانية، تقوم على أسس الاحترام المتبادل والتعايش والتراحم. فالمجتمع المتماسك لا يُقاس فقط بمدى تقدمه الاقتصادي أو عمرانه المادي، بل يُقاس أولاً بنسيجه الاجتماعي وروح الأسرة الواحدة التي تسكن قلوب أفراده.

هنا يتجلى الدور الذكي للحكومات، التي لا تقتصر مهمتها على تقديم الخدمات أو حفظ النظام، بل تتعداه إلى الدفع في اتجاه جمع الجميع تحت مظلة واحدة اسمها ”مظلة الوطن“، بغض النظر عن التباينات والاختلافات التي تُعدّ سمة طبيعية لأي مجتمع حي. فالوطن الحقيقي هو ذلك الذي يشعر فيه كل فرد، مهما كان انتماؤه أو خلفيته، بأنه جزء أصيل من نسيجه.

أهم الركائز التي تجعل المجتمعات متماسكة، هي ”التراحم“ بين الأفراد. هذه القيمة العميقة ليست مجرد شعار، بل ممارسة يومية، وسلوك يُبنى على التعاطف والاحترام والكرم. ولطالما كانت البحرين مضرب المثل في هذا المجال، حيث اشتهر الإنسان البحريني بالطيبة والإنسانية والكرم، فغدت هذه القيم جزءاً من الهوية الوطنية، يعتز بها الجميع.

وحينما يكون الصوت السائد في المجتمع صوتاً يدعو إلى احترام الآخر، ونبذ الكراهية، ويحث على التراحم، فإننا نكون أمام مجتمع ناضج وواعٍ، يدرك معنى التعايش وأهمية الحفاظ على استقراره الداخلي. وهنا يبرز التلاحم بين وعي المواطن وحرص الحكومة، عبر أجهزتها المختلفة، على تعزيز الوحدة وضمان الاستقرار الاجتماعي.

موسم عاشوراء في البحرين يُعد نموذجاً حياً لهذا التلاحم. هذه المناسبة التي تتكرر كل عام، لطالما كانت مساحة تتجلى فيها معاني الكرم والتواصل، وتبرز فيها القيم التي تمثل جوهر المجتمع البحريني. فعاشوراء ليست فقط مناسبة دينية، بل حالة وطنية وإنسانية تعكس تآلف البحرينيين بكل أطيافهم، وتؤكد أن التعدد لا يعني الفرقة، بل قد يكون مصدر غنىً وتكامل إذا ما احتُضن بوعي ومحبة.

لكن، لو ظهرت بين حين وآخر أصوات نشاز، تسعى لتغليظ القلوب واستغلال المناسبات لبث الشقاق، متناسية أن البحرين لا تحتمل هذا التوتر، بلا لا تريده. فنعلم بأن هؤلاء لا يهمهم خير البلاد ولا استقرارها، بل تزعجهم صورة مجتمع متماسك، متحاب، يختار أن يعيش بسلام.

بالتالي، نحن اليوم في أمسّ الحاجة إلى تعزيز وحدتنا، وإحياء قيم التراحم والتسامح، وصناعة بيئة إيجابية ينشأ فيها أبناؤنا على المحبة والانتماء الحقيقي. فالتربية على السلام وحب الآخر ليست مسؤولية جهة واحدة، بل هي مسؤولية كل فرد يعيش على هذه الأرض الطيبة.

نحيّي كل صوت عقلاني ووطني يهمه مستقبل البحرين، ويؤمن بأن أرضنا يجب أن تظل منارة للسلام، كما كانت منذ القدم. فأرض دلمون، أرض الخلود كما وصفها التاريخ، ستظل تنبض بالقيم الجميلة التي شكلت روح هذه البلاد.

وهنا نستذكر بكل فخر كلمات قائدنا وملكنا الإنسان الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله ورعاه، حين كتب قبل خمسة عقود في كتابه ”الضوء الأول“ بأنه يحلم بـ”وطن يضم جميع أبنائه“. إنها ليست جملة رائعة جزلة، بل رؤية عميقة لمجتمع يتجاوز الخلافات، ويتحد في حب الوطن.

نحب البحرين، ونحب قائدها، ونحب كل من يسكنها بسلام. حلمنا بسيط، لكنه عظيم، بأن تبقى بلادنا جنةً يسودها الأمن، وتُصان فيها كرامة الإنسان، ويعيش فيها الجميع بعزة ورضا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock