جاهزية الدولة تحت الاختبار | صحيفة الوطن
[
]
في خضم التصعيد الإقليمي الناتج عن الحرب الإسرائيلية الإيرانية، واجهت مملكة البحرين تحدياً معقداً تجاوز الأبعاد الأمنية التقليدية، ليمس جوهر قدرة الدولة على الحكم الرشيد، والتوازن بين متطلبات الاستقرار، وحقوق المواطن، وسيادة القانون.
لم تكن استجابة مملكة البحرين لحظة طارئة أو ظرفية، بل جاءت تعبيراً عن جاهزية مؤسسية متكاملة، تمكنت من تفعيل أدوات الدولة الحديثة في التنظيم، الحوكمة، وحماية النسيج المجتمعي.
على الصعيد الأمني، لم يُختزل مفهوم الحماية في وضع الحواجز أو إعلان الطوارئ، بل شمل بناء منظومة متماسكة للتأهب، تضمنت رفع جاهزية المنشآت الحيوية، وتكثيف الرقابة على التهديدات المرتبطة بالخارج، من خلال تنسيق فاعل مع الشركاء الإقليميين والدوليين.
كما تم تفعيل غرفة الطوارئ الوطنية لتوحيد القرار، وربط مؤسسات الدولة عبر منظومة رقمية قادرة على الاستجابة الفورية المدروسة، بضوابط رقابية وقانونية تضمن كفاءة التنفيذ دون تجاوز للحقوق.
أما في البعد المجتمعي، فقد تعاملت الدولة مع السياق الحساس بحس عالٍ من المسؤولية، حيث تمت مراقبة الخطاب العام، الديني والإعلامي، وحثه علي تعزيز التماسك الوطني، بالتوازي مع احترام حرية الرأي وتوفير منصات آمنة للتعبير المسؤول.
عُززت هذه الجهود بحملات توعية شاملة استهدفت قطع الطريق على محاولات التحريض أو الاصطفاف الطائفي، انطلاقاً من إيمان راسخ بأن الأمن المجتمعي لا يُبنى بالقوة فقط، بل بالثقة والانضباط المدني.
أما اقتصادياً، جاءت الاستجابة حازمة ومبكرة، من خلال رقابة صارمة على التحويلات المالية والأنشطة المشبوهة، وتنسيق خليجي لضبط سلاسل الإمداد واستقرار الأسواق، مما حافظ على توازن العرض والطلب، وعزز مناعة الاقتصاد الوطني أمام الهزات الخارجية.
وقد أظهرت هذه الاستجابة أن المرونة الاقتصادية، حين تُبنى على مؤسسات قوية ورقابة فعالة، تُسهم في حماية الشرعية السياسية وتعزيز ثقة المواطن.
في السياسة الخارجية، انتهجت البحرين سياسة متزنة وواعية، ارتكزت على دعم التهدئة، ورفض التورط في محاور الاستقطاب، مع التمسك برفض استخدام أراضيها لأي نشاط عدائي.
في ذات الوقت، قامت الدولة بدورها الإنساني تجاه مواطنيها، عبر تنظيم عمليات إجلاء مدروسة من مناطق الخطر، وتفعيل القنوات الرقمية لتقديم الدعم والرعاية القنصلية، بما يعكس صورة الدولة الراعية التي لا تغيب عن مواطنيها في أي مكان.
وأمام هذا النموذج المتكامل، فإن أي تشكيك في جاهزية الدولة أو تجاهل لما تحقق من إجراءات مؤسسية، يُعد إنكاراً لواقع موثق أثبت أن البحرين لا تكتفي بردود الأفعال، بل تبادر بمنهجية سيادية رصينة.
إن توثيق هذه التجربة واجب وطني، لا من باب الترف، بل من باب ترسيخ الذاكرة المؤسسية وتحسين الاستجابة للأزمات القادمة.
حجر الزاوية
لقد برهنت هذه التجربة على أن قوة الدولة لا تُقاس بإجراءاتها الآنية فقط، بل بمدى ترابط مؤسساتها، ومرونتها في التعاطي مع الأزمات، واتساقها مع مبادئ العدالة والشفافية والفاعلية. الدولة القادرة هي التي تنجح في تأمين الحماية، وضمان الحقوق، وبناء الثقة، دون أن تتخلى عن القانون أو تتنازل عن مسؤولياتها.
ومن هنا، فإن توثيق هذه التجربة لم يعد خياراً بل ضرورة وطنية، لحفظ ذاكرتنا المؤسسية، والبناء عليها نحو مستقبل أكثر استقراراً وعدلاً، تكون فيه الدولة على قدر دائم من الجاهزية والمسؤولية.