حربٌ في الظل.. هاتفك هو الميدان!
خلال هذه الأيام الماضية، وسط زحمة الأخبار التي لا تخلو من صواريخ تطير من هنا وهناك وتصريحات دولية متضاربة تجعل رأسك يدور، ثمة جوانب أخرى لا بد من تأملها بعيداً عن هذه الفوضى السياسية. دعونا نبتعد قليلاً عن هذا المشهد، ولنذهب معاً إلى زاوية أخرى لا تقل أهمية وتأثيراً في حياتنا اليومية؛ زاوية التكنولوجيا التي باتت تلعب دوراً محورياً في الصراعات الحديثة، والتي شهدناها مؤخراً في الحرب الإلكترونية الأخيرة بين إيران وإسرائيل.
في زمننا الحالي، باتت علاقتنا بالتكنولوجيا أشبه بعلاقتنا بهواتفنا المحمولة التي نأتمنها على كل تفاصيل حياتنا الشخصية، دون أن يخطر ببالنا يوماً أنها قد تتحول إلى أدوات تجسس وتتبّع. هكذا أيضاً تطبيقات مثل «واتساب»، تحوّلت من مجرد وسيلة بسيطة للتواصل اليومي إلى طرف محتمل في النزاعات السيبرانية الأخيرة.ففي خضم هذه الأحداث التي دارت مؤخراً، وجدت شركة «ميتا» المالكة لتطبيق واتساب نفسها في موقف لا تُحسد عليه، عندما اتهمتها بعض الجهات باستغلال منصتها لأغراض التجسس والتتبع عبر استخدام بيانات المستخدمين أو السماح بتسريب معلومات حساسة في سياق الصراع الإلكتروني بين إيران وإسرائيل. ورغم أن «ميتا» سارعت لنفي هذه الادعاءات مؤكدة التزامها الكامل بحماية خصوصية المستخدمين، إلا أن مجرد إثارة مثل هذه الاتهامات يكفي لزعزعة ثقة المستخدمين في التطبيقات التي باتوا يعتمدون عليها يومياً، وكما يقول المثل الشائع: «لا دخان بلا نار».
على صعيد آخر، تبرز شركة «تشيك بوينت سوفتوير» الإسرائيلية كواحدة من أكبر الشركات العالمية المتخصصة في مجال الأمن السيبراني. تقدم هذه الشركة حلولاً تقنية متقدمة لحماية المؤسسات والشركات من الهجمات الإلكترونية والاختراقات الأمنية. تشمل خدماتها برامج لمكافحة الفيروسات، وحماية الشبكات، وتأمين قواعد البيانات، وتقديم تقارير مفصلة تساعد المؤسسات في فهم وتحليل المخاطر الأمنية.
أما خلال المواجهة الإلكترونية الأخيرة، فقد أصبحت شركة «تشيك بوينت» لاعباً بارزاً في هذه الحرب بشكل مختلف. فبدلاً من أن يقتصر دورها على توفير حلول لحماية البيانات، وجدت نفسها تُقدم تقارير مفصلة توضح التقنيات والأساليب المستخدمة في الهجمات التي استهدفت المنشآت الإيرانية. ورغم أن هذه التقارير تبدو ظاهرياً تحليلات تقنية محايدة، إلا أن تزامن نشرها مع الهجمات على إيران – خاصة وأن الشركة إسرائيلية الأصل – قد يُفسَّر ضمنياً كنوع من الدعم غير المباشر أو على الأقل كخطوة تصب في مصلحة الجانب الإسرائيلي.
هذان المثالان بالتأكيد ليسا الوحيدين، فهناك شركات عالمية أخرى لعبت أدواراً مختلفة في الأحداث الأخيرة. لكن الغاية من اختيار هذين المثالين تحديداً هي تسليط الضوء على تقنيات وخدمات قد يستخدمها البعض بشكل يومي، لندرك من خلالها كيف أن التكنولوجيا، التي دخلت حياتنا بسرعة مذهلة، وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من تفاصيل يومنا، قد تتحول فجأة إلى أدوات فعّالة في الصراعات الدولية. هذه الشركات الكبرى التي تتأثر بسياسات دولها ومصالحها السياسية، قد تُستخدم لخدمة أهداف ومصالح سياسية في أي ظرف مستقبلي.
لذا، من الضروري أن تكون هناك جهود حكومية جادة تدعم الشركات والأنظمة الوطنية، وتعزز قدراتها لتأخذ محل هذه الأنظمة الدولية التي قد لا تضع مصالحنا الوطنية في مقدمة أولوياتها. كما يجب علينا جميعاً أن نتحلى بالوعي الكامل عند استخدام برامج التواصل الاجتماعي في التعاملات الحكومية أو في تداولاتنا الخاصة والسرية. فالتكنولوجيا سلاح ذو حدين، فلنكن على قدر المسؤولية لحماية أنفسنا ومجتمعاتنا وأوطاننا من مخاطر سوء استخدامها.
* خبير تقني