حوكمة الانتخابات: إدارة أم قرار سياسي؟
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
حوكمة الانتخابات هي الإطار الذي يضمن أن تتم العملية الانتخابية بأسلوب ديمقراطي وعادل، مما يعزز الثقة في النتائج ويساهم في استقرار الأنظمة السياسية.
وعادة ما يُشار إلى الحوكمة بأنها الشفافية والنزاهة والكفاءة. وهي مغالطة فكرية ومعرفية، لأنه حتى تتحقق الشفافية والنزاهة والكفاءة كمخرجات، لا بد أن تسبقها عدد من السياسات والخطط والعمليات التي تحقق الحوكمة الجيدة. فكل النظم السياسية لديها قدر من الحوكمة، ولكن يُثار التساؤل حول أية درجة من درجات الحوكمة تم تحقيقها. فالحوكمة إذن هي مجموعة من السياسات والعمليات والأدوار والمسؤوليات المترابطة التي تحتاجها أية منظومة للمساندة وللمساعدة على اتخاذ قرارات فعالة.
وعليه، تشير حوكمة الانتخابات إلى مجموعة السياسات والقواعد والإجراءات التي تهدف إلى تحقيق النزاهة والشفافية والكفاءة، ومصداقية العملية الانتخابية في جميع مراحلها. فهي بمثابة إطار استراتيجي يضمن أن تكون الإدارة الانتخابية مسؤولة وخاضعة للمساءلة، وأن تتم الانتخابات بطريقة عادلة ومنصفة تعكس إرادة الشعب الحرة وتعزز ثقته في العملية الانتخابية برمتها.
وبالتالي يجب أن تركز حوكمة الانتخابات على وضع المحددات التي تخدم المصلحة العامة والحقوق المدنية والسياسية للناخبين، وتضمن أن تكون قرارات السلطات الانتخابية مستقلة وشفافة ومسؤولة، وأن يتمكن جميع أصحاب المصلحة من مراقبة العملية وتقييمها.
ومن أهم عناصر حوكمة الانتخابات وضوح الإطار القانوني والتنظيمي، من حيث وجود قوانين ولوائح انتخابية واضحة ومحددة، يسهل فهمها وتطبيقها. وتحديث القوانين من خلال مراجعة وتحديث القوانين الانتخابية بانتظام لتواكب التطورات والتحديات، بالإضافة إلى وجود نظام قضائي مستقل يختص بالنظر في الطعون والنزاعات الانتخابية، حتى في ظل عدم وجود إشراف قضائي. وفي الحالة الراهنة، تتوافر معظم تلك المقومات، وإن كان من الأهمية بمكان أن يصدر قانون الانتخابات بشكل مبكر بما يمكن أصحاب المصلحة من دراسته ومناقشته واستيضاح مواده، خاصة تلك المرتبطة بتقسيم الدوائر الانتخابية. فعنصر التوقيت هام للغاية.
أيضاً، توافر الشفافية والإفصاح من خلال إتاحة المعلومات، حيث يجب أن تتوفر جميع المعلومات المتعلقة بالعملية الانتخابية للعامة، بما في ذلك القوانين واللوائح الانتخابية، سجلات الناخبين، نتائج الانتخابات، وآليات الطعن. وهو الأمر الذي قامت الهيئة الوطنية للانتخابات بإتاحته إما من خلال المؤتمرات الصحفية والسياسية التي تعقدها، أو عبر موقعها الإلكتروني، أو من خلال حملات التوعية “لازم تعرف” التي تقوم بها في وسائل الإعلام المختلفة.
بالإضافة إلى ضمان المشاركة والتمثيل وحق التصويت والترشح، من خلال حماية وضمان حق كل مواطن له حق التصويت والترشح للانتخابات دون عوائق غير مبررة. وتوفير المعلومات الكافية للناخبين والمرشحين لتمكينهم من اتخاذ قرارات فعالة. وقد قامت الهيئة الوطنية للانتخابات بالتحديث الدوري لسجلات الناخبين ومن لهم حق الانتخاب، بما في ذلك ذوي الاحتياجات الخاصة.
كما لا بد من تحقيق المصداقية والاستقلالية، حيث يجب أن تكون الهيئة الانتخابية مستقلة عن أية تأثيرات سياسية أو اقتصادية، وأن تتخذ قراراتها بناءً على القانون والمعايير المهنية. وضمان عدم التمييز بين المرشحين والناخبين على أساس العرق، أو الدين، أو الجنس، أو أي عوامل أخرى. ولا يزال الأمر في حاجة إلى سياسات حوكمة فعالة تضمن وضع قواعد صارمة لمنع تضارب المصالح بين القرار السياسي والمشاركين من المرشحين في العملية الانتخابية، وإعطاء ميزات نسبية لبعض المرشحين دون غيرهم في الحصول على الرموز الانتخابية، على سبيل المثال.
وأخيراً وليس آخراً، لا بد من ضمان كفاءة الإدارة الانتخابية وتوافر القدرة المؤسسية، من حيث امتلاك الهيئة الانتخابية للموارد البشرية والتقنية اللازمة لإدارة العملية الانتخابية بكفاءة، والتخطيط الجيد لجميع مراحل العملية الانتخابية، من التسجيل إلى إعلان النتائج، وتدريب العاملين في الهيئة الانتخابية والمراقبين لضمان فهمهم للعملية ومهامهم. وفي هذا الإطار، تمنح الهيئة الوطنية للانتخابات وتُيسِّر لمنظمات المجتمع المدني المحلية والإقليمية والدولية الحصول على تصاريح لمتابعة ومراقبة سير العملية الانتخابية. ولا تنفصل كفاءة الإدارة الانتخابية عن وجود إرادة سياسية في الانتقال إلى رقمنة العملية الانتخابية بأسرها، بدءًا من إقرار حق التصويت الإلكتروني، وهو حق مكفول للهيئة الوطنية للانتخابات باتخاذ كافة السبل والوسائل لتحقيق ذلك وفقًا للقانون.