خواطر عام جديد | صحيفة الوطن
بدر علي قمبر
اعتدنا في كل عام، وفي مثل هذا الوقت تحديداً، أن نكتب بعض السطور العابرة حول انقضاء عام هجري من أعمارنا، وإقبال عام جديد. ولعل النظر إلى العام الهجري ليس كمثل العام الميلادي، فقد اعتاد الناس أن يوجهوا اهتمامهم إلى الميلادي، في حين فاتهم الخير الكثير في تأمل بدايات العام الهجري الجديد، وما فيه من عظات ودروس مستفادة. فهذا العام كان بداية لهجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، وكيف خطط لهذه الرحلة، واختار فيها الصاحب الصدوق ليكون له عون وسند في رحلته الشاقة.العام الهجري الجديد، لو تأملناه، هو بمثابة رحلة للمسلم لهجران ملذّات الدنيا وهمومها المُزعجة والمعطلة لإنجازات الحياة ذات الأثر المستدام. هجران لكل المُنغصات في كل المحطات، أياً كان عطاؤك، فهي محطة تذكرك بالله تعالى، لتراجع فيها نفسك، وتبدأ من جديد بإعداد عدّة لحياة مؤثرة وشاملة، لا وقت فيها للمهاترات، ولا متّسع للمعاتبات، ولا للجدال والمراء، ولا للغيبة والنميمة، ولا مجال فيها للزعل، ولا مكان فيها للنوم الكثير. وذلك إيمان عميق بأن الحياة محطة سريعة زائلة، وأيامها معدودة، وأوقاتها تمر كلمح البصر.مضى العام، ومضت معه الكثير من الذكريات والمواقف التي نتمنى لو نعود إليها قليلاً لنمحص أنفسنا، ونراجع أسلوب حياتنا، ونرى ما قدمنا وما أخّرنا. أكرر هنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من استوى يوماه فهو مغبون». لأنه لم يعرف كيف يغير حياته، ولم يعرف كيف يصل إلى مراده، بل مضت حياته على روتين واحد ممل، لا أثر منه يُرجى، ولا نتائج واضحة. اعتاد أن يكون ذلك الشخص العادي، بل قد يكون المؤسف أحياناً أنه أصبح منبوذاً في محيطه، لأنه لم يراجع خطواته، وأضرّت عاداته بعلاقاته، حتى أصبح وحيداً بلا أثر يُرجى.ورد في كتاب رسائل التابعين لأدهم شرقاوي: «في كتاب صفوة الصفوة لابن الجوزي: احذر أن تكون ثناءً منشوراً، وعيباً مستوراً! يا صاحبي: إنما العبرة بمن أنت عند الله! فكم من معروف في الأرض مجهول في السماء، وكم من مجهول في الأرض معروف في السماء، وإذا دعا، قالت الملائكة: يا رب، صوت معروف من عبد معروف! والله، لو مدحك الناس طولاً وعرضاً، فلن ينفعك هذا بشيء إن كنت عند الله على غيره! ولو ذمّك الناس شرقاً وغرباً، فلن يضرك هذا بشيء إن كنت عند الله على غيره! وكن على حذر أن تُجمّل فعلك للناس وتقبّحه لله! قال لقمان لابنه: إيّاك أن تُري الناس أنك تخشى الله وقلبك فاجر!».درس «الحذر من أسلوب البشر» تعلّمته خلال عام مضى، وقد كنت قد تعلمته من قبل، لكني خلقت المعاذير لتمرّ القافلة بسلام. وبعد تكرار المواقف، آمنت بهذا الدرس من جديد، لأكون مؤثراً فعلياً في حياة الناس، ولتمرّ معظم المواقف بسلام. درس جاءني على هيئة رسالة ربانية، وهو الأسلوب الذي أؤمن به في مسير الحياة، لأنه أسلوب التغيير الحقيقي للإنسان، مهما بلغ عمره، إذ يظل يتعلم، وتقتضي الظروف أن يغيّر من أسلوبه ليعيش بسلام، ويقدّم الخير الذي بين يديه، طمعاً في حصاد الآخرة الباقية.الدرس هو منهجية قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيراً أو ليصمت». إنها دعوة لأن لا تعتبر نفسك عالماً بكل تجارب الحياة، وإن كنت خبيراً بها. ففي كثير من الأحيان، يكون الصمت هو الحكمة، من أجل نفسك أولاً، ومن أجل ما تعلمته ودرسته من خصال البشر، حتى تتجنب أسلوبهم الجارح الذي قد يهدم كل ما بنيته معهم. لا تفتح الأمور على مصراعيها في الحديث مع الناس، ولا تؤمّنهم على كل ما تقول، ولا تتوسع في الكلام مع الجميع بحجة «المودة التي تجمعك بهم»، فتكتشف لاحقاً أنك أخطأت التقدير، وفهموا خلاف ما كنت تتوقع، فحدث ما لم يكن في الحسبان.سبحانك يا رب، في كل يوم نتعلم درسًا جديدًا، وسرعة الأيام لا تمهلنا في التغيير السريع، ولكن لإيماننا برب الأرباب ومُسبب الأسباب، ويقيننا بالآية الكريمة: «يا أيتها النفس المطمئنة، ارجعي إلى ربك راضية مرضية، فادخلي في عبادي، وادخلي جنتي». فالمؤمن، عاجلاً أم آجلاً، سيرجع إلى الله، ويتطلب منه أن يكون مستعداً للحظة الرجوع، وإعداد العدّة لدخول الفردوس الأعلى من الجنة.وقد عشنا جميعاً لحظات الخوف في تلك الأيام القليلة التي مرت علينا في أجواء الحرب، والاستعداد الذي قام به كل واحد منا لتلك اللحظات، ولحظات الرعب التي عاشها البعض لمجرد سقوط صواريخ محدودة في أجوائنا. بينما يعيش أهلنا في غزة تلك الأجواء المخيفة والمرعبة والمميتة في كل لحظة، وهم ما زالوا يبحثون عن لقمة تسد جوعهم. هي الحياة.. علينا أن نسارع فيها إلى كل ما يرضي الله ويثبت إيماننا، وأن نحاسب أنفسنا أولًا بأول، قبل أن تنتهي أنفاسنا بلا عودة. نسأل الله حسن الخاتمة.ومضة أملنسأل الله الكريم أن يجعله عاماً مليئاً بالخير والبركة والسعادة والوئام والتوفيق والصحة والعافية والأثر المستدام وجبر الخواطر، وأن يصرف عنا وعن وطننا الحبيب وأوطان المسلمين كل سوء، وأن يُعجل بالفرج القريب لكل مكلوم ومكروب، وأن يطيل أعمارنا في طاعته.