أخبار العالم

قانون التنفيذ واكب التطور الحقوقي لكنه يحتاج إلى مراجعة جادة وشجاعة

[


]

أيمن شكل

الأحمد: من الضروري استحداث أدوات فنية وتشريعية لتتبع حركة الأموال للمدين

الغميض: إلغاء الإكراه البدني كوسيلة للضغط على المدين أكثر النقاط إثارة للجدل

أكد خبراء ومشرعون أن قانون التنفيذ الجديد قدم تجربة تشريعية جديدة، واكبت التطور الحقوقي والإنساني، إلا أن المنفذ ضدهم استغلوا القانون وثغراته في إضاعة حقوق الدائنين بطرق متعددة، وطالبوا بإنشاء أدوات فنية وتشريعية جديدة تساعد على تتبع حركة الأموال للمدين وجهة تختص بإجراء تحقيقات مالية دقيقة لدعم القضاء، ومراجعة إجراءات المنع من السفر والإكراه البدني بما يضمن الحقوق.

وحول الجانب التشريعي من منظور قانوني قال عضو مجلس النواب والمحامي محمد الأحمد إنه لا يمكن إنكار أن قانون التنفيذ الجديد في المواد المدنية والتجارية جاء كتجربة تشريعية حديثة ومتطورة، سعت إلى مواكبة التطورات الحقوقية والإنسانية، خصوصاً في ما يتعلق بضمان كرامة المدين وحقوق الإنسان، إلا أن ذلك لا يمنع من تطويره وتعديله بما يحقق التوازن المطلوب بين أطراف العلاقة القانونية.

لا ننكر وجود ثغرات

وأشار الأحمد إلى آلية استحداث قانون المنفذ الخاص، والتي كان لها الأثر الكبير في سرعة تحصيل الديون وفق الأوامر والأحكام القضائية، واستدرك قائلاً: “إلا أنه لا يجب أن ننكر أن هناك ثغرات يستغلها البعض من المدينين في تنفيذ الأحكام القضائية، الأمر الذي أفرز حالة من عدم الرضا لدى أصحاب الحقوق، الأمر الذي يحتم خلال هذه الفترة دراسة هذه الثغرات لإجراء مزيد من التطوير والتعديل لتفعيل النصوص وتحقيق التوازن بين حقوق المدين وواجباته في سداد الديون المستحقة عليه”.

وأكد النائب الأحمد على ضرورة العمل لاستحداث أدوات فنية وتشريعية جديدة تساعد على تتبع حركة الأموال للمدين، خصوصاً في الفترات التي تسبق صدور الحكم القضائي، بما يمكّن العدالة من التحقق من وجود نية لإخفاء أو تهريب الأموال. كما يُستحسن إنشاء جهة مساندة تتبع المصرف المركزي، أو تتعاون معه، تختص بإجراء تحقيقات مالية دقيقة لدعم القضاء في كل ملف تنفيذ على حدة.

إلى جانب ذلك، فإن بند المنع من السفر يحتاج إلى مراجعة من حيث المدة وآلية التجديد، ليصبح أكثر مرونة وعدالة، ويأخذ بعين الاعتبار جسامة الدين وسلوك المدين والأثر المترتب على السماح له بالسفر.

الإكراه البدني بعد سنة من عدم السداد

ودعا الأحمد إلى إعادة النظر في نظام الإكراه البدني بحيث لا يتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان متى ما كانت مقننة، كأن يُسمح بالإكراه البدني بعد مرور سنة كاملة على الحكم، دون أن يبادر المدين إلى سداد ما لا يقل عن نصف المديونية، وهو ما يعتبر مؤشراً واضحاً على التعنت وليس العجز.

واختتم قائلا: “إن المراجعة التشريعية لبعض نصوص القانون، والتوسّع في صلاحيات قاضي التنفيذ، وتفعيل أدوات التتبع المالي، كلها خطوات ضرورية لجعل القانون الحالي أكثر تطوراً، ولتعزيز الثقة في المنظومة القضائية، وهناك ثقة كبيرة بالقائمين على هذا الموضوع من السلطة القضائية والمساندة الإدارية من السلطة التنفيذية بفهم التحديات الواجب مواجهتها لتطوير القانون”.

عجز القانون عن حماية أصحاب الحقوق

من جانبه أوضح المحامي د. سالم الغميض أنه منذ صدور قانون التنفيذ الجديد في المواد المدنية والتجارية رقم (22) (لسنة 2021)، سادت موجة من التفاؤل في الأوساط القانونية بأن مرحلة جديدة من الفعالية والعدالة قد بدأت في ملف التنفيذ. وقد رحب العديد من الناشطين الحقوقيين بالقانون لكونه يشكل نقلة نوعية في تكريس حقوق الإنسان، وتوجها يستجيب للنداءات الدولية المتعلقة بالخصوص، إلا أن هذا التفاؤل سرعان ما اصطدم بواقع مغاير، حيث بدأت تظهر مظاهر عجز القانون عن حماية أصحاب الحقوق، بل وتحّول في بعض جوانبه – وفق الواقع المعاش – إلى مظلة لحماية المدينين المتعنتين، على حساب أصحاب الأحكام القضائية النهائية.

ولفت د. الغميض إلى أكثر النقاط إثارة للجدل في القانون الجديد، وهي إلغاء الإكراه البدني كوسيلة من وسائل الضغط على المدين المتخلف عن التنفيذ، حيث كان الحبس في السابق يشكل وسيلة ردع فعالة تدفع كثيراً من المدينين إلى تسوية أوضاعهم تفادياً للحبس، لكن القانون الجديد استبعد هذه الوسيلة نهائيًا، تحت مبررات تتعلق بحقوق الإنسان وعدم حبس المرء لأسباب مدنية.

وقال: إن هذا الإلغاء، وإن بدا في ظاهره إنسانياً، سحب من يد المحكوم لهم أداة ضغط حقيقية، وتركهم يواجهون مماطلة مدينين يختبئون خلف النصوص، ويتهربون من تنفيذ التزاماتهم. وتحولت كثير من الأحكام القضائية إلى هياكل لغوية لا يمكن تنفيذها على أرض الواقع.

وأضاف: “زادت المشكلة بفرض قيد زمني صارم على منع السفر، الذي حدده القانون الجديد بثلاثة أشهر فقط، قابلة للتجديد ثلاث مرات بحد أقصى (أي تسعة أشهر فقط) هذا التحديد الزمني، رغم أنه يحقق توازناً ظاهرياً بين حرية التنقل وحقوق الدائن، إلا أنه في الواقع أصبح أداة عديمة التأثير، لأن المدين ببساطة ينتظر مرور المدة، ثم يغادر البلاد، تاركاً الدائن في مهب الريح. بل الأسوأ من ذلك، أن كثيراً من المحكوم ضدهم صاروا لا يكترثون لصدور أمر المنع، لعلمهم أن المدة محددة، وأنه لا يمكن للقاضي تجاوزها مهما كانت جسامة الدين، أو تعنت المدين.

تهريب الأموال.. القوانين لا تلاحق، والعدالة تتأخر

وحذر الغميض من التلاعب بالقانون، حيث نشأت في ظل هذا المناخ القانوني المتساهل، حيلاً عديدة ومتزايدة لتهريب الأموال، حيث يسارع المدينون فور صدور الحكم إلى نقل أموالهم إلى أقاربهم من الأزواج والأبناء، ما يجعل عملية التنفيذ شبه مستحيلة، خاصة في ظل غياب صلاحيات كافية للمنفذ الخاص أو قاضي التنفيذ لتعقب تلك الأموال أو تجميدها بشكل عاجل.

وأكد أن قانون التنفيذ الجديد، في صيغته الحالية، قد أضعف ثقة الناس بالأحكام القضائية، فصارت عبارة “معك حكم، بس ما راح تنفذه” تتردد في المجالس، وهو أمر خطير على ثقة المجتمع في العدالة. فالمحكوم لهم – وهم غالباً أفراد ومؤسسات تضررت مادياً – وباتوا يواجهون نظاماً قانونياً لا يساعده على استرداد حقوقهم، بل يضيف فوق معاناتهم مشقة قانونية وإجرائية، تجعل “الحق” حبراً على ورق.

الحاجة تدعو إلى تعديل القانون بعجالة

وشدد د. سالم الغميض على أن الوضع الراهن يتطلب تدخلاً تشريعياً سريعاً، يُعيد التوازن إلى العلاقة بين الدائن والمدين، ويُعيد النظر في مدة منع السفر لتكون مرنة بحسب حجم الدين وسلوك المدين، وإعادة النظر في وسائل الردع القانونية، ومنها عودة مقنّنة للإكراه البدني في حالات المماطلة الواضحة أو التهرب من التنفيذ، وتوسيع سلطات قاضي التنفيذ لتجميد أموال المدين وتتبّعها، حتى لو كانت بأسماء الغير، وتفعيل أدوات رقمية ومصرفية تُسهل الوصول إلى معلومات مالية دقيقة عن المدين. حتى تكون الأحكام القضائية عنواناً للعدالة، ويكون القضاء سنداً للحق، وقال: العدالة ليست فقط في صدور حكم قضائي، بل في تنفيذه فعلياً. وقانون التنفيذ الذي لا يحمي المحكوم لهم، ولا يردع المماطلين، هو قانون يحتاج إلى مراجعة جادة وشجاعة، وتساءل: هل ننتظر المزيد من المظلومين؟ أم أن الوقت قد حان للتصحيح؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock