أخبار العالم

في رحاب محرم.. وطن يفخر بتنوعه وتماسكه


في البحرين، ومنذ مئات السنين، يتجلى التعايش المجتمعي في أبهى صوره، حيث يشكل التنوع المذهبي والديني لوحة فسيفسائية متناسقة، تبرز جمال الوحدة في إطار الاختلاف، وترسخ قيماً راسخة عنوانها؛ البحرين أولاً ودائماً.

هذا التكاتف بين أبناء الوطن لم يكن يوماً شعاراً مرفوعاً لتحقيق مصالح آنية، بل كان ولايزال واقعاً مُعاشاً يشهده الجميع في مختلف المناسبات والظروف، حيث تتجسّد هذه الوحدة بشكل لافت مع حلول شهر محرم الحرام، فتعود بي الذاكرة إلى طفولتي عندما كان أهل البحرين، بكل أطيافهم، يتشاركون في إحياء موسم العزاء، في احترام متبادل لخصوصية كل مذهب، دون تعصب أو تحيز.

مازلت أذكر كيف كان كثير من أهل السنة يشاركون إخوانهم من الشيعة في زيارة المآتم، ويستمعون للخطباء وهم يسردون سيرة آل البيت، بل إن «عيش الحسين» كان يُوزّع في بيوت الجميع، دون تفرقة أو تمييز.

في ذلك الزمان، لم يكن للسياسة أو التحزب أو الطائفية موضع بين أهل البيت الواحد، كان كل فرد يحيي طقوسه ومناسباته في أجواء من التسامح والطمأنينة، يجمعهم حب هذه الأرض، والإخلاص لقيادتها، والحرص على السلم الاجتماعي.

هذه القيم لم تولد من فراغ، بل هي متجذرة في وجدان هذا الشعب، ومتوارثة جيلاً بعد جيل. واليوم، لاتزال المملكة تؤكد على هذه الروح من خلال ما يوليه جلالة الملك المعظم، حفظه الله ورعاه، من اهتمام ورعاية موسمية لمناسبة عاشوراء، في تأكيد على احترام التنوع الديني والمذهبي، وتعزيز قيم التسامح والانفتاح في ظل نهج حضاري ثابت.

وفي السياق ذاته تواصل الحكومة، برئاسة صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله، جهودها في تسخير الإمكانيات الرسمية والأمنية والخدمية لضمان إقامة الشعائر الدينية في أجواء آمنة ومنظمة، ما يعكس صورة البحرين كنموذج يحتذى في صون الحريات الدينية وترسيخ مبادئ الوحدة الوطنية والاحترام المتبادل بين جميع مكونات المجتمع.

وقد جاءت كلمة معالي وزير الداخلية، خلال لقائه برؤساء المآتم، لترسّخ هذه القيم، مؤكداً على أهمية الوعي الوطني، ودور الجميع في الحفاظ على النظام العام، خاصة في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها المنطقة، والتي تتطلب مزيداً من التكاتف والالتزام.

والرسالة الأهم، في تقديري، كانت في التذكير بالدور التاريخي للعوائل البحرينية التي توارثت مسؤولية المآتم وحافظت عليها عبر الأجيال، في إطار من التسامح والتعايش والتكافل الذي يضم المواطنين والمقيمين على حد سواء. وفي كل موسم محرم، تثبت البحرين أنها ليست فقط وطناً للتنوع، بل هي نموذج نادر للتعايش الواعي الذي تتوارثه الأجيال، وترعاه الدولة، ويصونه المجتمع، ليبقى هذا الوطن عنواناً لوحدة تصنعها المحبة ويحرسها الوعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock