البحرين دائماً.. تثبت وعي الدولة ومسؤوليتها
[
]
في لحظة إقليمية شديدة التوتر، تتعالى فيها نذر الصراع العسكري، وتتزايد الضغوط الإعلامية والنفسية على الشعوب، كانت لمعالي الفريق أول الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة، وزير الداخلية، كلمة واضحة وقوية خلال اجتماع عُقد في 18 يونيو 2025، ضمّ كبار المسؤولين وأعضاء من السلطتين التشريعية والتنفيذية، ليؤكد أن أمن البحرين واستقرارها لن يكونا ورقة ضمن أي صراع خارجي.
لقد كان الخطاب الأمني لمعالي الوزير في هذا التوقيت حاسماً وجلياً، حين صرّح بأن: «البحرين ليست طرفاً في أي حرب تدور حولنا، ولن نُسحب إلى هذه التوترات». ولم يكن ذلك مجرد تصريح سياسي، بل موقف استراتيجي يعكس رؤية وطنية ثابتة، تقوم على صون السيادة والاستقلالية في القرارين الأمني والسياسي. فقد اختارت البحرين أن تبني جداراً من الحياد الإيجابي، يحمي مؤسساتها وشعبها من الانجرار خلف أجندات إقليمية.
وكانت الجاهزية الأمنية هي خط الدفاع الأول. إذ أكد معالي الوزير أن التأهب الأمني في أعلى مستوياته، وأن أجهزة الدولة تعمل بتنسيق شامل لضمان استمرار الأمن والخدمات في مختلف الظروف. كما أوضح أن خطط الطوارئ والإمداد، والتنسيق بين الجهات الأمنية والمدنية، قد خضعت للاختبار والتحديث بشكل دوري. وشدد على أن الوحدة الوطنية صمام الأمان الأول، وأن المواطن هو الشريك الفاعل في معادلة الاستقرار.
أما المحور الأبرز في الخطاب، فكان التصدي لظاهرة الشائعات والمعلومات المضللة التي تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي. فقد حذر معاليه من أن: «نشر الأخبار المغلوطة، أو تداولها دون تحقق، يُعد سلوكاً ضاراً بالأمن المجتمعي، وقد يُساء استخدامه لتأجيج التوترات أو تشويش الرأي العام». لذلك وجّه دعوة مباشرة إلى الإعلاميين والنشطاء والمواطنين بـتحري الدقة، وعدم إعادة نشر أي محتوى غير موثوق، مؤكداً أن الأمن مسؤولية جماعية، لا تقتصر على وزارة الداخلية وحدها.
وقد دعمت هذه الرؤية العديد من الدراسات العلمية الحديثة، التي أكدت أن نجاح المجتمعات في تجاوز الأزمات مرتبط بدرجة كبيرة بالتزام المؤسسات الإعلامية بالمعايير المهنية والأخلاقية. وفي هذا السياق، أشارت دراسة «Garfin et al., 2020» إلى أن الإعلام وقت الأزمات يجب أن يرفع من وعي الجمهور ويوجهه إلى مصادر المعلومات الرسمية. فالتنافس على السبق الصحفي في الإعلام الرقمي كثيراً ما يؤدي إلى نشر معلومات غير مؤكدة، وهو ما يقود إلى تضليل الجمهور. كما أن التضخيم أو التحيّز تحت ذريعة «حرية التعبير» يمثل خرقاً واضحاً للميثاق الأخلاقي الدولي للعمل الصحفي.
وفي الاتجاه نفسه، أكّد تقرير جامعة هارفارد للصحافة أن الرأي العام هو شريك في إدارة الأزمات، وليس مجرد متلقٍّ سلبي. ولذلك، فإن على الرأي العام الواعي والمسؤول أن يبحث عن المعلومة من مصادرها الموثوقة، ويمارس التحليل النقدي، ويفرّق بين الرأي والمعلومة، ويتجنب الانفعالات والتهويل. كما يُنتظر من الإعلام والجمهور في هذه الظروف أن يُعزّزا الروح الوطنية والانتماء، ويقدّما المصلحة العامة على المصالح الضيقة، مع نشر خطاب يوحد لا يفرّق.
إن تصريحات معالي وزير الداخلية كانت تعبيراً صادقاً عن النهج الحكيم والسلوك السياسي المتزن للقيادة البحرينية الرشيدة، التي نجحت في العبور بالبلاد إلى برّ الأمان في كل الأزمات التي شهدتها المنطقة، ومن هنا، فإن الخطاب الأمني لم يكن مجرد طمأنة، بل خريطة طريق واضحة تضع مصلحة البحرين فوق كل اعتبار. ففي زمن المعلومات المتدفقة والضغوط العابرة للحدود، فإن التزام الدولة بالحياد، ورفع جاهزيتها، وتحصين مجتمعها من الشائعات، مقروناً بوعي المواطن وصدق الشراكة بينه وبين مؤسسات الدولة، قد جعل البحرين قادرة على عبور التحديات بثقة واستقرار، خاصة عندما يجتمع القرار السيادي بالمسؤولية الشعبية.