11:26 م
الأحد 27 يوليو 2025
كتب – مختار صالح:
في قلب الريف الصعيدي، وسط الخُضرة وسكون قرية “قفادة” التابعة لمركز مغاغة شمال محافظة المنيا، يقف قصر “فانوس” شامخًا منذ أكثر من 114 عامًا، شاهدًا على عبق التاريخ، وتحفة معمارية استثنائية لا مثيل لها في صعيد مصر.
القصر الذي يعود بناؤه لعام 1910، صمّمه صاحبه الثري فانوس أبسخيرون حنا على طراز معماري فريد يمزج بين الفن الفرعوني والإيطالي، ويُعرف بين الأهالي باسم “قصر أيام السنة”، لأن عدد نوافذه وأبوابه وشرفاته 366 منفذًا، بعدد أيام السنة، بما في ذلك يوم كبيس!
– أبواب وشبابيك بعدد أيام السنة
عند الاقتراب من القصر، يأسرك مشهد الأسدين الحجريين اللذين يحرسان مدخله الرئيسي، وكأنك على موعد مع أسطورة. التصميم المعماري المدروس بعناية يسمح لأشعة الشمس بالتسلل من كل منفذ، ليضيء القصر وفق ترتيبٍ زمني فريد، وكأنه تقويم حي محفور في الحجر.
– مقتنيات لا تُقدّر بثمن
كان القصر يحتل مساحة تزيد عن 17 فدانًا تحيط بها حدائق غنّاء وسور شاهق، قبل أن تتقلص المساحة بفعل عوامل الزمن، لكن الهيبة والجمال ما زالا قائمين. القصر يتكوّن من طابقين و10 شقق تضم أكثر من 60 غرفة، وساحة كبيرة لاستقبال الضيوف، وغرف للخدم وأفران وموقدات للطهي، بالإضافة إلى غرف لتخزين المؤن والخضروات.
ومن التفاصيل المثيرة أن القصر كان من أوائل البيوت في صعيد مصر التي دخلها الهاتف الأرضي، حيث كان رقم هاتفه “6”، في زمن لم يكن فيه الاتصال متاحًا إلا للنخبة.
– أثاث وزينة من زمن الملوك
لا يزال القصر يحتفظ بأسرّته، ومقاعده الخشبية، ومكاتبه، بل حتى تليفون فانوس الخاص موجود حتى الآن، إلى جانب صور تذكارية ولوحات فنية على جدران الصالونات. في إحدى الزوايا ترى غرف الخدم، وفي أخرى كنيسة صغيرة تم إنشاؤها تزامنًا مع بناء القصر، مخصصة للصلاة في أوقات المناسبات العائلية.
– مزيج من الأسطورة والحقيقة
ورغم مرور أكثر من قرن، ظل قصر “فانوس” محتفظًا برونقه الغامض، حيث تحوّل إلى وجهة مفضلة لهواة التصوير، ومحبي المعمار، وباحثي التاريخ. بعض الأهالي يروون أنه كان يُستخدم في استقبال كبار الزوار من جميع الأديان، حيث كان صاحب القصر شخصية محبوبة ومُبجلة في المجتمع المحلي.
– هل يتحول إلى مزار سياحي؟
ورغم جماله، لا يزال القصر غير مدرج ضمن الخريطة السياحية الرسمية، وهو ما يثير تساؤلات حول إمكانية تحويله إلى مزار أثري وسياحي، يُبرز تراث صعيد مصر وكنوزه المنسية. كثيرون يطالبون الجهات المعنية بسرعة إدراجه ضمن قائمة المباني التراثية للحفاظ عليه من الإهمال أو التعدي.