كنز جيولوجي وتاريخي.. الصحراء السوداء تفتح أبوابها للسياحة والاستثمار-
11:34 م
الثلاثاء 29 يوليه 2025
كنز جيولوجي وتاريخي.. الصحراء السوداء تفتح أبوابها للسياحة والاستثمار- صور
الوادي الجديد – محمد الباريسي:
لوحة طبيعية مرسومة بالحمم البركانية ومغلفة بالمسحوق الأسود، هكذا تبدو الصحراء السوداء في أعين من زاروها، واصفين إياها بـ”الكنز المهمل” على حدود محافظة الوادي الجديد، حيث تقبع ثروات جيولوجية وتاريخية فريدة تحكي قصة ملايين السنين بين الجبال المرصوصة والكهوف العتيقة.
– موقع استثنائي وتكوين نادر
تقع الصحراء السوداء بين الواحات البحرية والفرافرة شمال محافظة الوادي الجديد، على بُعد نحو 50 كيلومترًا جنوب مدينة الباويطي، وتمتد على مساحة 70 كيلومترًا، مغطاة بطبقة من المسحوق البركاني الأسود، الناتج عن تآكل الصخور بفعل البراكين الخامدة.
ويوضح الدكتور أحمد بدران، أستاذ الآثار بجامعة القاهرة، أن اللون الأسود الذي يغطي جبال المنطقة يعود لانفجارات بركانية حدثت قبل نحو 180 مليون سنة خلال العصر الجوراسي، مؤكدًا أن تكويناتها الجيولوجية تنتمي للعصر الطباشيري، وتضم صخور البازلت، الديوريت، الحجر الجيري، وأكاسيد الحديد، ما يمنحها تدرجات لونية بين الأسود والأحمر والبرتقالي.
– معالم جيولوجية ناطقة بالتاريخ
من أبرز الجبال التي تحتضنها الصحراء:
جبل المرصوص: فوهة بركانية تغطيها طبقات بازلتية تشكل أعمدة منتظمة، ما دفع الأهالي لتسميته بهذا الاسم.
جبل البانوراما: مقصد رئيسي لعشاق التصوير بفضل إطلالته الشاملة.
جبل الإنجليز: استخدمته القوات البريطانية خلال الحرب العالمية الأولى كنقطة مراقبة استراتيجية.
ويقول المؤرخ إبراهيم خليل إن جبل الإنجليز يُعد شاهدًا على فترة الاحتلال البريطاني، ويشكل قيمة تاريخية لا تقل أهمية عن قيمته الجغرافية.
– تلال وألوان وتكوينات فريدة
يؤكد محسن عبد المنعم الصايغ، مدير هيئة تنشيط السياحة بالوادي الجديد، أن جبال الصحراء ليست مجرد معالم صخرية، بل رموز طبيعية ذات دلالات ثقافية وسياحية، ومنها:
جبل الزقاق: يتدرج لونه من الأحمر إلى الأصفر والذهبي، ويُعد وجهة لتسلق الجبال.
جبل الأهرامات: أطلق عليه السكان هذا الاسم لتشابه تكوينه الهرمي مع أهرامات الجيزة.
جبال الحفوف وشحوت وجاله سيوه: تتفاوت في ارتفاعها وتكوينها البركاني النادر.
– محمية طبيعية منذ 2010
في عام 2010، أُعلنت الصحراء السوداء محمية طبيعية ضمن نطاق الواحات البحرية، بهدف حماية تنوعها البيولوجي والجيولوجي. ويؤكد الدكتور عبد المنعم حنفي، أستاذ الجغرافيا بجامعة بورسعيد، أن المنطقة تضم أحد أكبر الهياكل العظمية للديناصورات في العالم، تم اكتشافه في جبلي الدست والمغرفة.
– وجهة واعدة للسياحة البيئية
يقول محمد محسن، مشرف رحلات سفاري، إن الصحراء السوداء من أبرز الوجهات البيئية في مصر، خاصة لعشاق السفاري والتخييم والتصوير الفوتوغرافي، مشيرًا إلى أن مشاهد الغروب والليالي القمرية تحول المكان إلى لوحة زيتية نابضة بالجمال.
ويضيف إسلام سفاري، مشرف آخر، أن الطريق الممتد بين الواحات البحرية والفرافرة يكشف عن مشاهد بصرية ساحرة، لا يعرفها كثير من أبناء المحافظة أنفسهم.
– ثروات معدنية بانتظار الدراسات
رغم ما تحتويه الصحراء السوداء من معادن ثمينة، إلا أن غياب الرقابة جعلها عرضة للنهب. ويحذر الجيولوجي الحسيني محمد من استمرار عمليات جمع وتهريب المسحوق الأسود دون رقابة، مطالبًا بإطلاق مشروعات بحثية وتحاليل معملية لتحديد القيمة الاقتصادية الفعلية لصخور المنطقة.
– الاستثمار السياحي.. فرصة مهدرة
يرى خالد حسن، مدير الهيئة الإقليمية لتنشيط السياحة بالوادي الجديد، أن تحويل الصحراء السوداء إلى منتجع بيئي سياحي يُمكن أن يسهم في خلق مئات فرص العمل وتسويق الوادي الجديد كوجهة عالمية.
وأشار إلى أن كثيرًا من المسؤولين لا يدركون حتى اليوم أن الصحراء السوداء ضمن نطاق المحافظة، ما جعلها عرضة للتجاهل رغم إعلانها محمية طبيعية منذ أكثر من 10 سنوات.
– كنز في انتظار الاكتشاف
رغم الجمال الآسر والتكوين الفريد للصحراء السوداء، فإنها لا تزال تنتظر من يراها بعين التقدير لا الإهمال. ويختتم المؤرخ إبراهيم خليل بقوله: “من يزور الصحراء السوداء يعود إليها مرة تلو الأخرى.. فهناك شيء غامض وساحر في هذه الأرض يسكن القلب، لكنها تحتاج فقط لمن يمدّ يده ليستخرج كنوزها.”