كيف ستظهر غزة وأوكرانيا حقيقة صورة ترامب؟
06:36 م
الثلاثاء 29 يوليه 2025
كتبت– سلمى سمير:
بينما يخوض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ولايته الثانية محاطًا بهالة من “الانتصارات”، تلوح في الأفق أزمتان عالميتان قد تمزقان هذا الغلاف وتكشفان ما إذا كان ترامب قائدًا حقيقيًا يملك بوصلة واستراتيجية واضحة، أم مجرد “متنمّر سياسي” يُتقن استعراض القوة لكنه يفتقر إلى العمق والرؤية.
في قطاع غزة، يواجه العالم كارثة إنسانية تتفاقم مع كل يوم، فيما تتعالى أصوات تطالب ترامب بتحمل مسؤولياته كزعيم لأكبر قوة دولية. أما في أوكرانيا، فتتجلى المعضلة الكبرى، فيما إذا كان ترامب سيتخذ موقفًا حاسمًا ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أم أن صراعه هناك هو مجرد حلقة أخرى في سباقه المحموم نحو المجد الشخصي.
وبحسب تقرير لشبكة “سي إن إن” الأمريكية، فإن غزة وأوكرانيا قد تتحولان إلى مرآتين سياسيتين تعكسان جوهر شخصية ترامب الحقيقية، وتقدمان للعالم — وللأمريكيين أنفسهم — الإجابة الحاسمة، فيما إذا كان هو زعيم يؤمن بالقيم والمسؤولية، أم رجل يستبدل القيادة بالصفقات، والحلول بالاستعراضات.
ترامب المنتصر… ولكن لمن؟
بعد ستة أشهر من ولايته الثانية، بدا أن ترامب يحقق ما لم يستطع تحقيقه في ولايته الأولى. فعلى الساحة الدولية، يدمر النظام التجاري العالمي القائم عبر اتفاقيات تكرّس هوسه بالرسوم الجمركية، ويرسل قاذفات شبح لقصف البرنامج النووي الإيراني، ويجبر أعضاء الناتو على رفع إنفاقهم العسكري بشكل هائل، بحسب “سي إن إن“.
أما داخليًا، فقد أخضع الكونجرس لإرادته، وفرض أيديولوجيته على كبريات الجامعات، وأجبر مكاتب المحاماة الخاصة على الدفاع عنه مجانًا، وسخر النظام القضائي لمحاربة خصومه، وأغلق الحدود الجنوبية فعليًا، مانعًا الهجرة غير النظامية.
وبحسب الشبكة الأمريكية، فإن هذا هو “الربح” الذي وعد به ترامب أنصاره من حملة “اجعلوا أمريكا عظيمة مجددًا”، والذي قال إنه سيكون وفيرًا لدرجة تجعلهم يملون من كثرة الانتصارات.
لكن وسط هذه الصورة المنتصرة، يتم طرح السؤال الأكثر جوهرية، وهو هل يحقق ترامب انتصارات لأمريكا أم لنفسه، وهل ما يمارسه من ضغوط على الحلفاء والدول الصغيرة يُعد دليلًا على قوة قيادية أم مجرد استقواء وتنمّر سياسي.
ثلاثة اختبارات حاسمة
يقول التقرير إن المفاتيح الحقيقية لاختبار قوة ترامب كزعيم عالمي تتمثل في ثلاث قضايا تصدرت جدول زيارته إلى اسكتلندا أمس الاثنين، وهم المجاعة المتفاقمة في غزة، والحرب المستمرة في أوكرانيا، ومفاوضات التجارة الدولية.
وفيما يخص قطاع غزة، فاتخذ ترامب منهجًا مختلفًا عن حليفه، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، علق فيه على مشاهد الأطفال في غزة وهم يعانون من سوء التغذية في غزة في مشاهد وصفها بـ “المرعبة“، رافضًا مزاعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن “لا مجاعة في القطاع“.
وقال ترامب: “علينا أن نُطعم الأطفال”، متعهدًا بإنشاء مراكز توزيع غذائي مفتوح دون قيود للتخفيف من المجاعة. إلا أنه لم يقدم تفاصيل عن كيفية تنفيذ ذلك في منطقة حرب يُقتل فيها المدنيون أثناء انتظارهم في طوابير المساعدات.
وبحسب “سي إن إن”، تجاهل ترامب أيضًا مسؤولية الولايات المتحدة في الأزمة، خاصة في ظل تعثر برنامج المساعدات الذي ترعاه واشنطن ويتجاوز الأمم المتحدة، فيما يخص “منظمة غزة الإنسانية“.
قد تكون هذه التصريحات تحولًا حقيقيًا في موقف ترامب، بحسب “سي إن إن” وربما تشير إلى نية لقطع الطريق على نتنياهو وتقويضه، الذي لطالما رفض الضغوط الأمريكية وأضر بصورة ترامب كـ”صانع سلام“.
لكن المشككين يرون أن رد فعل ترامب ربما كان استجابة سياسية محسوبة للغضب الدولي المتصاعد تجاه إسرائيل، خاصة وأنه سبق أن اقترح تحويل غزة إلى منتجع ساحلي باسم “ريفييرا الشرق الأوسط”، وهو ما اعتُبر استخفافًا صارخًا بمعاناة الفلسطينيين.
وبحسب الشبكة، فإنه في حال كانت نوايا ترامب صادقة، فإن تدميره لوكالة التنمية الأمريكية يعني أن الأطفال المحتاجين في غزة لن يجدوا الكثير من الدعم.
أوكرانيا
في ملف الحرب بأوكرانيا، تحول موقف ترامب مع إظهاره استياءه المتزايد من فلاديمير بوتين، بسبب تجاهله “عروض السلام السخية”، كما وصفها.
وقال ترامب: “نخوض محادثات محترمة جدًا، ثم يموت الناس في الليلة التالية”، مضيفًا أنه قلّص مهلة الاستجابة الروسية من 50 يومًا إلى 10 أو 12 يومًا.
لكن التحدي الحقيقي أمامه هو ما إذا كان سيواجه بوتين فعليًا. فالضغط على روسيا، خاصة عبر العقوبات الثانوية على صادراتها النفطية، يتطلب صدامًا مباشرًا مع قوى كبرى مثل الصين والهند، وهو ما قد يعرض الاقتصاد العالمي لأزمة جديدة.
وبينما كان ترامب في اسكتلندا، كان مفاوضوه التجاريون في السويد يعقدون محادثات رفيعة مع الصين، تمهيدًا لاحتمال زيارة له إلى بكين. والسؤال، بحسب “سي إن إن”، فيما إذا كان ترامب سيجازف بكل ذلك من أجل أوكرانيا، وهي دولة يعتبرها ترامب قد استهلكت ما يكفي من المساعدات الأمريكية.
وتابع التقرير، أنه إذا تحرك ترامب فعلًا ضد بوتين — بما قد ينعكس سلبًا على علاقته مع الصين ويضر بمصالحه السياسية — فقد يُظهر أنه مستعد لمواجهة أكثر القادة قسوة. أما إذا تراجع، فسيرى خصومه أن الأمر لا يتعدى خيبة أمله لعدم نيله جائزة نوبل التي حلم بها.
أوروبا
أما فيما يخص أوروبا، فظاهريًا، حقق ترامب نصرًا جديدًا على الاتحاد الأوروبي بإقرار اتفاق تجاري يكرس نهج “أمريكا أولًا”، ويفرض رسومًا جمركية بنسبة 15% على الصادرات الأوروبية، وهو ما علق عليه رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو، ساخرًا بالقول: “تحالف الشعوب الحرة قرر الاستسلام”، في إشارة إلى موافقة الاتحاد على الصفقة.
لكن البعض رأى أن في هذا القرار براجماتية لا خضوعًا، خاصة وأن البديل كان حربًا تجارية قد تُفجّر العلاقة عبر الأطلسي، وهو ما قال عنه رئيس اتحاد الصناعات الكيميائية الألمانية، بالقول: “من يتوقع إعصارًا، ليشكر العاصفة“.
رغم ذلك، فإن وصف ترامب للصفقة بأنها “أعظم اتفاق على الإطلاق” ليس سوى مبالغة معتادة، بحسب “سي إن إن”. إذ لا تزال الاتفاقية في مرحلة أولية، ولم تشمل مطالب أمريكية حساسة مثل القبول باللحم المعالج بالهرمونات أو تخفيف القيود على شركات التكنولوجيا الأمريكية.
وفي ظل هذا كله، بدت أوروبا وكأنها تلعب على المدى الطويل، مدركة أن صفقة مع ترامب الآن قد تمنع الأسوأ لاحقًا، خاصة مع تعهده الأخير بأن يرفع أعضاء الناتو إنفاقهم الدفاعي إلى 5% بحلول 2035.
وقد لا يكون من قبيل الصدفة أن نبرة ترامب بشأن غزة وأوكرانيا أصبحت أكثر مرونة بعد ساعات فقط من تنازلات أوروبا التجارية، بحسب “سي إن إن“.
ترامب يفوز علنًا.. وأوروبا تناور بهدوء
بينما يفاخر ترامب بانتصاراته، يتبع الأوروبيون استراتيجية صامتة، بحسب “سي إن إن” تحافظ على مصالحهم دون مواجهة مباشرة، ودليل ذلك اختيار رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، “التضحية بكرامته السياسية” لكسب علاقة جيدة مع ترامب، ما ساعده في الحصول على تعريفة جمركية أقل من تلك المفروضة على أوروبا، وهو ما ظهر جليا خلال زيارته أمس لاسكتلندا.
وبحسب التقرير، يعيش ترامب وفق معادلة ثنائية، وهي أنه يجب أن يربح هو، ويخسر الآخرون، وهي العقيدة، التي ترتكز على “أمريكا أولًا”، ولا تعبأ بخسارة الحلفاء، بل تنظر إليهم على أنهم خصوم محتملون، محذرًا من أن الأسوأ، أن انتصارات ترامب قد لا تصب حتى في مصلحة المواطن الأمريكي، إذ أن الرسوم الجمركية المفروضة على الواردات الأوروبية تمثل ضريبة استهلاك إضافية يدفعها الأمريكيون.