لو كان المسؤول.. صاحب «ضمير»!
[
]
في بيئة العمل، يفترض أن يكون الأداء والاجتهاد هما الفيصل، وأن تُكافأ الكفاءة لا أن تُعاقَب.
لكن الواقع في كثير من المؤسسات يحكي شيئاً مختلفاً. فالظلم الإداري بكل أشكاله بات ظاهرة مألوفة، من التهميش المتعمّد إلى غياب العدالة في التقييم والتكليف، وصولاً إلى المحسوبيات التي تهدم ثقة الموظف في منظومته.
ما نواجهه ليس مجرد تجاوز فردي من مسؤول هنا أو مدير هناك، بل هو انعكاس لاختلال أعمق في القيم الإدارية داخل بعض بيئات العمل.
وعندما يشعر الموظف بأن مجهوده لا يُقدّر، أو أن حقوقه تُهمَّش، فإن النتيجة الحتمية تكون تراجعاً في الحماس، وانخفاضاً في الإنتاجية، وبيئة عمل خانقة لا تشجّع على الإبداع أو الانتماء.
هنا تبرز الحاجة إلى أن يتحلى الموظف بالوعي والحكمة في التعامل مع الظلم. لا مجال للانفعال أو التصعيد العشوائي، بل المطلوب هو التوثيق الدقيق لما يتعرض له، واللجوء إلى القنوات الرسمية في المؤسسة، بدءاً من المدير المباشر مروراً بإدارة الموارد البشرية، وانتهاءً باللجان المختصة إن وُجدت.
لكن لا يجب أن يتوقف الموظف عند رد الفعل. بل عليه أيضاً أن يواصل أداءه بمهنية، ويثبت ذاته في كل موقف، لأن السمعة المهنية تبقى جواز مروره إلى فرص أفضل، مهما طال الظلم أو تأخّر الإنصاف.
وفي حال وصل الظلم إلى طريق مسدود، فإن خيار الرحيل إلى بيئة أكثر عدالة ليس هروباً بل احتراماً للذات. فلا شيء يبرر البقاء في منظومة تستهين بالكرامة وتخنق الطموح.
ولا يمكن الحديث عن الظلم الإداري دون التوقف عند بُعده الأخلاقي والإنساني، بل والديني أيضاً. فالظلم، أياً كان نوعه، محرّم في كل الشرائع، وهو من أعظم المظالم التي توعّد الله مرتكبيها في الدنيا قبل الآخرة. والظلم الإداري، حين يُمارس عن سابق قصد، لا يختلف عن أي صورة من صور التعدي على حقوق الآخرين، لأنه يمس أرزاقهم وكرامتهم ويكسر معنوياتهم.
قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة.» ومن سنن الحياة أن الظالم مهما علا شأنه، فإن عاقبة ظلمه تعود عليه خسراناً في الثقة والاحترام، وتآكلاً في شرعيته أمام من يقودهم. فاحترام الموظف ليس خياراً، بل فريضة إنسانية وأمانة أخلاقية يجب أن يتحمّلها كل مسؤول.
العدالة الإدارية ليست ترفاً، بل ضرورة لبناء مؤسسات صحية ومستدامة. ومواجهة الظلم لا تقتصر على المتضررين وحدهم، بل هي مسؤولية جماعية تبدأ بثقافة شفافة، وتُبنى على أنظمة واضحة تحمي الحقوق وتضمن التوازن. فالمؤسسة التي تنجح في حماية موظفيها من الظلم، إنما تستثمر في مستقبلها قبل كل شيء.
وكل هذا يمكننا تجنبه في بيئات عملنا المختلفة، لو كان المسؤول وصاحب القرار صاحب ضمير وصوتاً للعدالة، وقيادياً يرفض الظلم بكافة أنواعه، هنا سيكون الموظفون الذين يعملون معه وتحت إدارته في ”جنة إدارية“ حقيقية.
اتجاه معاكس
سأتوقف عن كتابة «اتجاهات» لمدة ثلاثة أسابيع بسبب تواجدي في إجازة سنوية، كل الشكر والتقدير للقراء من مسؤولين وأفراد على تواصلهم وتفاعلهم. دمتم في حفظ الله وإلى لقاء قريب بإذنه.