ليست معاداة للسامية.. بل للحكومة الإسرائيلية
[
]
انقلاب أوروبي من جيل جديد على النظرة التقليدية النمطية عن الدولة الإسرائيلية التي رسمها الإعلام التقليدي وعززتها الفنون وكل القوى الناعمة الأوروبية التي صورت الإسرائيلي ضحية والعربي همجياً معتدياً.
تشجيع وتصفيق من شباب بريطاني لمُسنّة بريطانية تبلغ من العمر 83 سنة وقت إلقاء القبض عليها وذلك بسبب رفعها لافتة في ساحة البرلمان البريطاني كُتب عليها «أرفض الإبادة الجماعية الإسرائيلية وأدعم الفلسطينيين» وكانت السيدة قد انضمّت لمجموعة شبابية ترفع نفس اللافتات.
كما انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع عديدة لمطاعم أوروبية يطرد أصحابها سياحاً إسرائيليين ويرفضون دخولهم، ومطاردات في بعض الولايات الأمريكية لسياح إسرائيليين والتهجم عليهم ووصفهم بقتلة الأطفال.
إذ لم يكن مشهد الاعتداء الذي تعرّض له مشجعو الفريق الإسرائيلي في أمستردام في نوفمبر الماضي هو الأخير في موجة الاعتداءات على السياح الإسرائيليين في أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية، بل تستمر هذه الموجة وتتعاظم في مطاعم أو شوارع أو أي فعالية يُرفع فيها العلم الإسرائيلي في أوروبا وأمريكا.
إن موجة الغضب الأوروبية هذه ليست «معادة للسامية» فهذا جيل جديد يخصّ حكومة الدولة الإسرائيلية وليس اليهود، وهناك فرق شاسع لم يلحظه الإعلام الغربي الذي مازال يردد الكليشيهات التقليدية القديمة، فهذا جيل جديد.
البرلمانات الأوروبية اضطرت أن تُجاري المزاج العام، ومن ثم امتدت الموجة إلى الحكومات الأوروبية التي عجزت عن إيجاد أي مبرّر لسكوتها عن جرائم الحكومة الإسرائيلية، فانضمت إلى المزاج الشعبي لمجتمعاتها، وهددت بقطع الدعم بكافة أنواعه عن إسرائيل إن استمرت في حربها في غزة.
استمرار العدوان الإسرائيلي في غزة فقد جميع مبرراته التي قبلت أوروبياً بعد السابع من أكتوبر لرد العدوان والدفاع عن النفس، أما الآن فحكومة نتنياهو تواجه عزل مدنيين وتمارس عليهم أقصى أنواع الاعتداءات الوحشية، حتى وصل بها الأمر إلى نصب فِخاخ تصاحب المساعدات الإنسانية التي تقدمها مؤسسة غزة الأمريكية والتي اعتُبرت شريكاً للإجرام الإسرائيلي وسبباً في وفاة العديد من الفلسطينيين الذين لجؤوا من أجل الحصول على فُتات المساعدات الغذائية فقتلوا المئات منهم.
لهذا السبب انقلب الرأي العام الأوروبي ضد الإسرائيليين تحديداً، ولهذا السبب أصبح الإسرائيليون شعباً منبوذاً وغير مرغوب به بين الأوروبيين وليسوا اليهود وهناك فرق، وبهذا يكون نتنياهو واليمين الإسرائيلي المتشدّد قد نجحوا في تدمير وحرق ثمرة جهود مضنية استمرت لعقود طويلة تثبّت في الذاكرة العالمية صورة الإسرائيلي المضطهد المظلوم والمدني الراقي والديمقراطي الوحيد الذي يعيش وسط مجموعة شعوب عربية همجية مجرمة تريد أن تقضي عليه.
وبغضّ النظر عن حقيقة ذلك الإعلام أو كذبه إلا أن العالم اشترى تلك الصورة واقتنع بها وصدقها وآمن وسلّم بها لعدة أجيال، حتى جاء نتنياهو فنسفها نسفاً لم يُبقِ ولم يذر وأظهر وجهاً آخر لدولة إسرائيل بعكس الصورة التي ثبتت في الذاكرة الأوروبية.
التعاطف الأوروبي الآن مع سكان غزة لم يكن بفضل جهود الإعلام العربي إذاً، ولم يكن بسبب السابع من أكتوبر فليس لحماس الفضل في هذا الانقلاب، ولو وقفت الحكومة الإسرائيلية عند مشهد الاعتداءات التي جرت على الإسرائيليين في السابع من أكتوبر، لاحتفظت بصورة الضحية المسكينة الراقية الديمقراطية، إنما يشاء القدر أن يكون اليمين الإسرائيلي في السلطة حين ذاك ويندفع في إجرامه وبطشه بشكل جنوني اعتقاداً منه أن رصيده من تلك الصورة النمطية، وبمساعدة من الإعلام التقليدي الغربي بالتعتيم على جرائمه، سيحتفظ بالقناع على وجهه ولن يسقط… لكنه سقط وسقطت معه النظرية.