آخر الاخبار

مئات العائلات هُجرت وخسائر واسعة.. ماذا حدث في أديس أبابا؟

كتبت- سلمى سمير:

شهدت العاصمة الإثيوبية أديس أبابا خلال الأيام القليلة الماضية فيضانات عنيفة ناجمة عن أمطار غزيرة غير مسبوقة، تسببت في غمر عشرات الأحياء والمناطق السكنية وتدمير المنازل والبنى التحتية.

وبحسب التقارير الرسمية وشهادات السكان، فإن الكارثة خلفت مئات العائلات بلا مأوى، وألحقت أضرارًا بالغة بالممتلكات العامة والخاصة، في وقت لا تزال فيه استجابة السلطات محل انتقاد واسع.

وبحسب بيانات مكتب إدارة المخاطر والأمن الغذائي في أديس أبابا، فإن أكثر من 348 منطقة في المدينة باتت معرضة للخطر بفعل الكوارث الطبيعية وعلى رأسها الفيضانات.

وتشير الوثائق الرسمية إلى أن من بين هذه المناطق، هناك 143 منطقة تضررت مباشرة من فيضانات العام الجاري 2025، والتي وصفت بأنها “غير مسبوقة” من حيث الحجم والأثر.

وفي منطقة “ليجاتافو” لوحدها، تم تهجير 272 أسرة بالكامل بعد أن اجتاحت مياه الأمطار الغزيرة منازلهم، بينما أعلنت إدارة المدينة أن هذه العائلات تقيم حاليًا في مراكز إيواء مؤقتة.

وأفادت السلطات المحلية أن السكان فقدوا كل ما يملكونه، بما في ذلك الوثائق الرسمية وممتلكاتهم الأساسية، دون أن يحصلوا حتى الآن على دعم حكومي ملموس.

وفي مناطق “نور جنجا”، و”بوليه سوب سيتي”، و”نفا سيلك”، سُجلت أضرار واسعة النطاق في الممتلكات العامة والخاصة.

وشوهدت المياه وهي تجرف السيارات وتغمر الطرقات وتغلق العديد من المحاور الحيوية داخل العاصمة.

كما أظهرت صور التقطها المواطنون من هواتفهم الخاصة مدى الفوضى التي سادت شوارع المدينة بعد أن تحولت إلى مجاري للمياه والطين.

11zon_1

ومن بين المناطق المتضررة بشدة، برزت “بولي ليمي” و”آدويس كيتفو”، حيث تسببت الفيضانات في انهيار عشرات المنازل بالكامل.

وأكد المسؤولون المحليون أن أكثر من 30 منطقة في تلك الأحياء باتت غير صالحة للسكن حاليًا، ما يزيد من تعقيد الوضع الإنساني.

وبحسب ما نقل السكان لوسائل الإعلام، فإن المياه بدأت تتسرب إلى منازلهم دون إنذار مسبق. وقال أحد السكان في حي “سوماليتيرا”: “استيقظنا على صراخ الجيران، وكانت المياه قد وصلت إلى منتصف الغرفة. لم نتمكن من إنقاذ أي شيء، بالكاد خرجنا بأرواحنا”.

وفي هذا السياق، أشار مسؤول في مكتب إدارة الكوارث بأديس أبابا إلى أن معظم المتضررين من الفيضانات ينتمون إلى الأحياء الفقيرة التي أقيمت على ضفاف الأنهار والمجاري المائية، حيث تغيب البنى التحتية الملائمة والتخطيط العمراني السليم.

وقال مسؤول المكتب: “هذه الأحياء تقع ضمن المناطق المعرضة للخطر منذ سنوات، لكن لم تُتخذ إجراءات حقيقية لإعادة توطين سكانها أو تهيئة الأرض للوقاية من الكوارث”.

وأضاف المصدر نفسه أن الحكومة وضعت خطة لإعادة تقييم هذه المناطق، وإعادة توطين السكان في أماكن أكثر أمنًا، إلا أن تنفيذ هذه الخطة لا يزال محدودًا بسبب نقص الموارد، والبيروقراطية، وعدم وجود تنسيق فعال بين الهيئات المختصة.

وفي ظل هذا الوضع، دعا العديد من المواطنين إلى مساءلة بلدية العاصمة عن التقاعس في تنفيذ مشاريع تصريف المياه وصيانة البنى التحتية القديمة. ويؤكد متخصصون في إدارة المدن أن المشكلة ليست فقط في كمية الأمطار، بل في غياب نظام صرف صحي متكامل قادر على استيعاب كميات المياه المتزايدة بفعل التغيرات المناخية، وذلك بحسب ما ذكر “مكتب الاتصالات في أديس أبابا” نقلًا عن شكاوى المواطنين.

وكانت العاصمة أديس أبابا قد شهدت خلال السنوات الثلاث الماضية نمطًا تصاعديًا في معدل الأمطار الموسمية، ما يجعل خطر الفيضانات متكررًا وليس استثنائيًا. ومع ذلك، فإن البنية التحتية في المدينة، التي يعيش فيها أكثر من 5 ملايين نسمة، لم يتم تطويرها بالشكل الكافي لمواجهة هذه التغيرات.

وتشير البيانات إلى أن مدينة أديس أبابا لم تقم بأي عملية توسعة حقيقية لشبكة التصريف منذ أكثر من عقد، رغم التوسع العمراني السريع وزيادة الكثافة السكانية. وهذا ما جعل الفيضانات هذا العام أكثر حدة وتأثيرًا، حيث اجتمعت الطبيعة العنيفة مع الإهمال المؤسسي، وذلك بحسب ما ذكرت “دويتشه فيله” الناطقة بالأمهرية.

من جانبها، أكدت وزارة السلام والتنمية الاجتماعية أن الحكومة ستعمل على تقديم مساعدات طارئة للمتضررين، تشمل الغذاء والبطاطين ومواد التنظيف. كما وعدت بإرسال فرق ميدانية لتقييم الأضرار وتقديم تقارير تفصيلية خلال الأسبوع القادم.

لكن مواطنين في حي “لابو” عبروا عن شكوكهم تجاه هذه الوعود، مشيرين إلى أن الحكومة سبق أن أطلقت وعودًا مماثلة بعد فيضانات العام الماضي، دون تنفيذ فعلي على الأرض. وقالت إحدى السيدات المتضررات: “نحن نعيش في المدارس منذ أربعة أيام، ولا ماء ولا طعام. لم نرَ أحدًا من المسؤولين هنا”.

إلى ذلك، أطلق عدد من النشطاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي حملات للتضامن مع سكان العاصمة، مطالبين بتدخل دولي لدعم إثيوبيا في مواجهة الكارثة، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي المتدهور والنزاعات الداخلية التي أثقلت كاهل الحكومة.

2_11zon

وقد حذّرت منظمات إنسانية من أن عدم التحرك السريع قد يؤدي إلى انتشار الأمراض وتفاقم الأزمة الإنسانية، خصوصًا بين الأطفال وكبار السن والنساء الحوامل الذين يقيمون في مراكز إيواء غير مجهزة، بحسب “دويتشه فيله”.

على جانب آخر شهدت مدينة جامبيلا الإثيوبية، فيضانات مفاجئة تسببت في تدمير أكثر من 50 منزلًا، وذلك عقب أمطار غزيرة استمرت، بحسب شهادات السكان ومسؤولين محليين.

11zon_3

وقال سكان محليون لصحيفة “أديداس ستاندرد” إن الفيضانات اجتاحت عددًا من الأحياء، خصوصًا منطقة “نيو لاند”، ما اضطر عشرات العائلات إلى إخلاء منازلها دون تسجيل أي إصابات حتى اللحظة.

وأفادت الصحيفة، أن الأمطار التي استمرت في جامبيلا الواقعة غربي العاصمة أديس أبابا طوال اليوم أحدثت أضرارًا كبيرة أكثر من المعتاد.

4_11zon

من جانبه، أكد رئيس بلدية جامبيلا، الدكتور سايمون مون، أن المياه غمرت بشكل رئيسي المناطق المنخفضة، خاصة في “كيبيلي 01” و”كيبيلي 05″، لافتًا إلى أن شبكات الصرف الضيقة والمغلقة بفعل المخلفات كانت من أبرز أسباب تفاقم الأزمة.

وأوضح رئيس البلدية أن السلطات باشرت بجمع البيانات من الأحياء المتضررة، وتعمل على تسجيل الأسر التي تم تهجيرها من منازلها، مشيرًا إلى أن الأمطار كانت غزيرة على غير المعتاد.

وأفادت الصحيفة، أن السلطات المحلية تبذل جهودًا لتقديم مساعدات طارئة للمتضررين، استنادًا إلى تقييمات الأضرار الميدانية.

وتأتي هذه الفيضانات بعد أقل من عام من كارثة مماثلة شهدتها مقاطعة جيكاوو بالإقليم نفسه في سبتمبر الماضي، حيث أدى فيضان نهر بارو إلى نزوح أكثر من 20 ألف شخص، وتدمير واسع للمنازل والمزارع.

5_11zon

بدوره، حذّر المعهد الإثيوبي للأرصاد الجوية من احتمال تكرار حوادث مماثلة خلال الأيام المقبلة، معلنًا توقعات بهطول أمطار تتراوح بين 11 و30 ملم في مناطق “أنيوك-ماجانج”، و”نوير”، و”إيتانج”، مع مخاطر مرتفعة لحدوث فيضانات مفاجئة في المناطق المنخفضة.



مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock