أخبار العالم

متى أصبح «الواتساب» فرضاً؟! | صحيفة الوطن

[


]

عثمان عادل العباسي

ما إن فتحت عيني صباحاً وأنا لا أزال أفكر في معنى الحياة والهدف من وجودي على هذا الكوكب الأزرق اللطيف، حتى داهمتني جيوش الإشعارات المتتالية من هاتفي الذكي. «فلانة أضافتك إلى مجموعة مدرسة الأولاد»، «علّان أضافك إلى مجموعة قسم الحسابات»، «تمت إضافتك لمجموعة الجيران الجدد». يا إلهي! ما كل هذا التلاحم الإنساني المفاجئ؟ متى أصبح الواتساب جسراً للتنمية الاجتماعية التي لم أطلبها يوماً؟

حاولت تجاهل الأمر، فهذا ليس جديداً علينا، لكن التكنولوجيا الحديثة تصر دائماً على اختراع طرق جديدة لاقتحام حياتي بهدوء وحميمية. أفتح هاتفي بتثاقل لأكتشف 378 رسالة في مجموعة المدرسة، كلها تدور حول نقاشٍ فلسفي معقّد جداً: «هل نرسل الأولاد غداً بزي الرياضة أم بالزي العادي؟». لا أفهم لماذا استغرقت هذه العبارة البسيطة ثمان ساعات و378 رسالة للوصول إلى القرار العبقري: «كل واحد على راحته!».

في العمل، الوضع مشابه. مديري العزيز، الذي يبدو أنه لم يسمع عن اختراع اسمه «البريد الإلكتروني»، يُصر على إعطائنا التعليمات الرسمية عبر رسائل صوتية في الواتساب. والمشكلة أن رسائله لا تنتهي إلا بعد سرد قصة حياته، ويختمها بقوله المعتاد: «إذا ما فهمتوا، اتصلوا بي». وإذا اتصلت به، يرد برسالة نصية عاجلة: «مشغول الآن، اكتب لي على الواتساب!».

هذا التطبيق الأخضر الجميل أصبح يتحكم في حياتنا بشكل عجيب. إذا لم يكن لديك واتساب اليوم، فأنت حرفياً تعيش خارج كوكب الأرض. المدرسة لا تُبلّغك عن أحداث مهمة إلا في الواتساب، خدمات البريد توصل الطرود باستخدام الواتساب، وإذا فقدت قطتك، ستضطر للانضمام إلى مجموعة «مفقودات الفريج»، وإلا فلن يشعر أحد بضياع قطتك العزيزة.

لكن ما يجعلني أتوقف فعلاً في منتصف اليوم لأتأمل معنى الحياة هو الإصرار الغريب من المؤسسات على استخدام هذا التطبيق تحديداً. واتساب ليس تطبيقاً حكومياً، ولا هو تابع لهيئة رسمية، بل حتى إنه ليس بحرينياً! لماذا يُصر البعض أن من يملك واتساب مواطن صالح، ومن لا يملكه خارج عن القانون؟ هل فاتني شرط أساسي يجعل واتساب إلزامياً لممارسة الحياة اليومية؟!

الأدهى أن بعض المؤسسات الكبرى، التي كنا نتوقع منها حفظ أسرارها في صندوق فولاذي محكم، تُرسل بياناتها الحساسة بكل ثقة عبر هذا التطبيق الجميل، الذي تملكه شركة أجنبية قد تقرر غدًا نشر محادثاتنا على الفيسبوك! تخيّل أن تصلني معلومات حساسة وأنا في المقهى أو في طابور محل البقالة، بين إشعار خصومات المتاجر ومجموعات الأصدقاء. قد يبدو الأمر طريفًا الآن، لكنه قد يتحول بسهولة إلى كارثة رقمية، تجعلنا نردد في ذهول: «بس كنا متأكدين إن الواتساب آمن!».

المضحك أن هذه الفوضى التقنية هدفها – كما يدّعون – جعل حياتنا «أبسط وأسهل». لكن الواقع يقول شيئًا مختلفًا تمامًا؛ أصبحنا نعيش رهينة إشعارات لا تنتهي، وخدمات تعتمد بشكل حصري على تطبيق أجنبي يربح ملايين الدولارات من وراء هذا الهوس الرقمي.

وفي نهاية اليوم، بينما أستلقي أخيراً في سريري وأغلق عينيّ لأرتاح، يرن هاتفي بإشعار أخير من الواتساب: «تمت إضافتك لمجموعة محبّي الهدوء والاسترخاء». أبتسم بسخرية، وأدعو الله أن يرزقني بعضاً من هذا الهدوء. لستُ أدعوكم للتخلص من الواتساب، فهو ليس المشكلة، لكن ربما علينا التفكير في حدود استخدامنا له، قبل أن يفكر هو في حدود حياتنا!

* خبير تقني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock