من جذور الذكاء الاصطناعي إلى مختبر المبدعين.. التغيير يبدأ من هنا
تتسارع خطوات العالم نحو الاستثمار في الذكاء الاصطناعي بعدما أصبح واحداً من أبرز الأدوات التي تُعيد رسم ملامح القطاعات الحيوية في كل مكان، وهذا التحوّل ليس حكراً على الشركات التقنية أو المراكز البحثية، بل يمتد إلى الحكومات والمؤسسات التعليمية والإعلامية، وشتى المجالات المتنوعة وسط إدراك متزايد لحجم التأثير العميق لهذه التقنية على المجتمعات واقتصاداتها.
وخلال الأسبوع الماضي جاءت قمة «جذور: الذكاء الاصطناعي والجيل الجديد»، التي احتضنتها البحرين مؤخراً، لتكون محطة مهمة تجمع الخبراء وصُنّاع القرار في مناقشات مفتوحة حول الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته، القمة في نسختها الأولى خارج الإمارات حظيت بمشاركة واسعة من المتخصصين على المستوى الخليجي والدولي، وقدّمت جلسات متنوعة تناولت تأثير الذكاء الاصطناعي في مجالات الإعلام، والتعليم، وصناعة القرار، وريادة الأعمال، إلى جانب جلسة دولية خُصّصت لرصد ملامح الذكاء الاصطناعي في المشهد العالمي.
ومن المشاركات التي لفتتني في القمة، الدور البارز لمركز باحثي الإمارات للبحوث والدراسات، الذي كان الشريك العلمي الرسمي للحدث، وهذا الحضور الإماراتي يعكس مستوى النضج الذي وصلت إليه دولة الإمارات في مجالات البحث العلمي والتحوّل الرقمي، خاصة في الربط بين الذكاء الاصطناعي والهوية الثقافية العربية، فالمبادرات التي استعرضها المركز، مثل «منصة التعايش»، و«قاموس علم النفس الإماراتي الروسي»، ومعجم GPT، قدّمت مثالاً واقعياً على كيفية توظيف الذكاء الاصطناعي في خدمة البحث العلمي واللغة العربية وتعزيز البُعد الثقافي في ظل التقدم التقني المتسارع.
وفي كلمة ألقاها سعادة الدكتور رمزان بن عبدالله النعيمي وزير الإعلام خلال المؤتمر أكّد فيها أهمية تهيئة الكوادر البحرينية لمواكبة هذا التحوّل، مشيراً إلى نجاح مبادرة «مختبر المبدعين» التي ركزت بشكل كبير على تطبيقات الذكاء الاصطناعي، واستطاعت تدريب أكثر من ألف موظف حكومي في أقل من عام، وهذه التجربة تمثل خطوة متقدمة في إعداد رأس المال البشري.
مختبر المبدعين الذي يشرف عليه الأخ العزيز مهند سليمان تجربة استثنائية يجب أن تكون نموذجاً تتبعه إدارات التدريب في المؤسسات الحكومية وتحذو حذوه، فواقع التدريب الحكومي في بعض المؤسسات الحكومية مازال بحاجة إلى إعادة نظر، خصوصاً مع وجود بعض البرامج والورش التدريبية المكررة، والتي لم تتطور منذ سنوات، وتعتمد على تكرار نفس الدورات دون الأخذ في الاعتبار اختلاف الزمن وتغيّره، فالدورات التقليدية اليوم لا تخدم سوق العمل كما كانت تفعل سابقاً، والذكاء الاصطناعي يتطور ويتغير بشكل يومي، ويتطلب تدريباً متخصصاً دقيقاً يتماشى مع خصوصية كل قطاع، سواء في الإعلام، أو الصحة، أو التعليم، أو الخدمات الإدارية.
لابد من توجيه الشكر والتقدير لجميع من أسهم في إنجاح هذه القمة، وفي مقدمتهم سعادة السيد خلف المزروعي، اللجنة التنظيمية برئاسة الأختين ميرا البلوشي، وأمينة حقيقي، وفريق العلاقات العامة بقيادة الأخوين طارق الكندي، وراشد بوهزاع، وكل فريق العمل الذين عملوا بروح جماعية عالية وقدموا تجربة تنظيمية محترفة، عكست قدرة البحرين على أن تكون شريكاً فاعلاً في صناعة المستقبل التقني، وبيئة جاذبة للحوار والتطوير في المنطقة.