نيران برخيل ليست الأولى.. بلينا سوهاج و20 عامًا من الحرائق وأساطير الج
09:53 م
الإثنين 28 يوليو 2025
سوهاج – عمار عبدالواحد:
في منتصف يوليو الجاري، استيقظ أهالي قرية برخيل في صعيد مصر على صوت الصراخ وألسنة اللهب. لم تكن صاعقة برق ولا انفجار أنبوب غاز، بل نيران تندلع من تلقاء نفسها، كما تنقل الشهادات، التي تحدثت عن حرائق التهمت أكثر من 25 منزلًا، تاركًا خلفها رمادًا ورعبًا وسؤالًا واحدًا يتردد في الهواء الممزوج برائحة الدخان: “ماذا يحدث لنا؟”.
بالنسبة لكبار السن في مركز البلينا، لم يكن هذا المشهد جديدًا. إنه مجرد فصل آخر في حكاية ممتدة على مدار عقدين، وهي حكاية نُسجت خيوطها بين تقارير رسمية باردة وأساطير شعبية ملتهبة، وراسخة في وجدان الصعيد.
حينما حلّقت “الطيور المشتعلة” في 2004
بدأ كل شيء في عام 2004. اندلعت حرائق متفرقة وقتها في نجوع برديس، وانتشرت رواية شعبية عن طيور مشتعلة تحط على أسطح المنازل فتشعلها.
وبينما تراوحت التفسيرات بين الأساطير ومحاولة إيجاد سبب علمي بأن حريقًا ربما شب في “برج حمام” فاحترقت الطيور ومن ثم حلقت في سماء القرية هربًا من النيران التي تكون قد أمسكت بها بالفعل، وهكذا انتقلت الحرائق التي تكررت على مدار أيام، أكدت جهات التحقيق وقتها أن “ماسًا كهربائيًا” كان السبب، وهو تفسير لم يُقنع الأهالي بعد نشوب حرائق في منازل أخرى لم تدخلها الكهرباء.
لعنة الجن الحارق في 2017
عاد شبح الحرائق أكثر ضراوة في 2017، وهذه المرة في قرية السلماني. أكثر من 30 منزلًا تحولت إلى رماد، وخسائر قُدرت بمليون جنيه، لم تكن مادية فحسب، بل إنسانية بامتياز عن جهاز عروس التهمته النيران قبل الزفاف بأيام، وعن مستقبل قضى عليه “الجن”، بحسب الروايات المتداولة، التي نفاها علي رفاعي رئيس مجلس المدينة – وقتها – مؤكدًا أن هذه الحرائق تندلع بسبب “تطاير شرر من الأفران الطينية”، وهو ما رد عليه الأهالي بأن “حرائق الجن لا تطفئها المياه”.
وهكذا، استمر الحال بشكل شبه سنوي؛ تهدأ النيران في قرية بينما تشتعل في أخرى، وتتطاير الروايات التي تُفسر الأمر بالجن مع ألسنة اللهب من مكان لآخر.
برخيل.. العودة إلى نقطة الصفر
واليوم ومع عودة النيران لتضرب برخيل، طفا الجدل القديم على السطح، حتى وصل إلى الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر السابق، الذي نقل استغاثة من الأهالي عبر حسابه بـ “فيسبوك”، كاشفًا عن عمق الأزمة.
وهو ما تعاطت معه مؤسسة الأزهر الشريف بإرسال وفد رسمي من وعظ سوهاج إلى القرية لتقديم الدعم النفسي ومواجهة الشائعات التي أعيد تادولها بين السكان، وقد شدد الوفد على “ضرورة الاحتكام إلى العلم”. بينما قدم أحد الأساتذة الجامعيين -معلقًا على منشور شومان- تفسيرًا علميًا محتملًا لهذه الحرائق، يرجعها إلى غاز الميثان القابل للاشتعال ذاتيًا، والذي تنتجه المخلفات الزراعية المخزنة بالمنازل مع ارتفاع درجات الحرارة.
أما رسميًا، فقد وجه المحافظ اللواء عبد الفتاح سراج بتواجد فرق من مديريات التضامن الاجتماعي والصحة والتموين في القرية لتقديم الدعم العاجل، كما كلف مسؤولي مدينة البلينا بالتواجد الميداني المستمر، وفق مصادر لمصراوي.
وفيما تتحرك الجهات الرسمية، تبقى الحقيقة غائبة، ويظل أهالي برخيل عالقين في صراع مرير بين تفسيرات العلم وروايات الأجداد، على أمل أن تمنحهم الأيام القادمة إجابة شافية، تطفئ مخاوفهم قبل أن تطفئ لهيب منازلهم.