أخبار العالم

هدوء فوق الطاولة.. وصخب تحتها!


بعد موجة التصعيد الأخيرة بين إسرائيل وإيران، لايزال المشهد الإقليمي محتقناً تحت السطح، محكوماً بمعادلات دقيقة وصراعات مؤجلة. فالهجمات الصاروخية التي تبادلها الطرفان مؤخراً لم تكن مجرد استعراض للقوة، بل رسالة تتجاوز ساحة الاشتباك المباشر إلى عمق التوازنات الدولية.

هنا تبرز تساؤلات ملحّة، إذ هل نجحت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في احتواء التصعيد وفرض إيقاع أكثر هدوءاً على المنطقة؟! وهل يمكن لواشنطن، في ظل قيادته الحالية، أن تدفع إيران مجدداً نحو طاولة المفاوضات من دون أن تُفرّط في أوراق الضغط الاستراتيجية التي راكمتها خلال السنوات الأخيرة؟!

ثم، ما الدور المنتظر من دول الخليج العربي في هذا السياق المترنح بين سلم هش وحرب مؤجلة؟! دون نسيان أن ترامب وافق على ما فعلته إسرائيل، وإن ألمح في البداية إلى رفضه الخجول، في مشهد متناقض حالياً، ما بين داعم للحرب وداعٍ لوقفها!

المواجهة العسكرية المباشرة بين إيران وإسرائيل بدت، رغم خطورتها، مدروسة بعناية. فكلا الطرفين تفادى توجيه ضربات كارثية أو غير قابلة للاحتواء. ما يعني أنه رغم التهدئة إلا أن المنطقة ستبقى خاضعة لتقلبات مفاجئة وحساسية مفرطة، حيث قد يشعل خطأ واحد مواجهة أوسع يصعب احتواؤها.

الرهان على عودة المفاوضات بشأن الملف النووي الإيراني لايزال قائماً، خاصة بعدما أثبت ترامب، امتلاكه لمقاربة مبنية على الصفقات المفتوحة، تمكّنه من الجمع بين الضغط والتفاوض. وبالرغم من لهجته الحادة تجاه طهران، يبدو أنه يفضّل تحقيق إنجاز تفاوضي جديد يُسوقه داخلياً وخارجياً باعتباره انتصاراً دبلوماسياً واستراتيجياً.

إيران من جهتها تدرك أن العودة إلى طاولة التفاوض باتت ضرورة اقتصادية وسياسية، لكنها لن تقبل بذلك من موقع ضعف، وستسعى إلى تحصيل مكاسب متوازية على الصعيدين الإقليمي والدولي. وأيضاً دول الخليج العربي ليست بعيدة عن المعادلة؛ فالتوتر الذي يهدد مضيق هرمز، واستهداف البنية التحتية للطاقة، والتداعيات السياسية والاقتصادية لأي نزاع واسع، كلها تمسّ أمن الخليج بشكل مباشر. بالتالي الموقف الخليجي مستمر في التحرك باتجاه دعم الاستقرار، وتبنّي حلول سياسية متوازنة.

إذا ما استمر وقف التصعيد، ونجحت الجهود الأمريكية بقيادة ترامب في إقناع إيران بالعودة إلى المفاوضات، فإن المنطقة قد تدخل مرحلة «توازن بارد»، تُرسم فيه تفاهمات جزئية وغير مكتملة، لكنها كافية لتأجيل الانفجار. هذا الوضع سيفرض ترتيباً أمنياً إقليمياً جديداً، يُراعي أمن الخليج الحيوي، ويشمل ملفات الطاقة والملاحة والتوازنات العسكرية.

ما يجري فوق الطاولة ليس إلا الجزء الظاهر من مشهد أعقد يُدار في الكواليس، حيث تُبنى التحالفات وتُعقد التفاهمات. والثابت هنا بأن الخليج العربي أيضاً طرف فاعل ومؤثر في معادلة الأمن والاستقرار.

ما تحتاجه المنطقة ليس فقط الحذر والترقب، بل مبادرات استراتيجية ومواقف مدروسة تحفظ المصالح وتُسهم في تهدئة الاحتقان المتزايد، فشعوبنا تريد العيش بسلام دون تداعيات خطيرة سببها أطراف تتنازع في أمور لا شأن لنا فيها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock