حين تُوزن النِّعَم.. العافية والمال بين كفّتَي الحياة
[
]
في خضمّ سباق الحياة، يركضُ الناس خلف المال بشغف، يرونه مفتاحاً للسعادة، وطوق نجاة لا غنى عنه. وهم محقّون في جانبٍ كبير، فالمال ضروري لتلبية احتياجات التعليم، والعلاج، والسكن، والاستقرار، والرفاهية. قال تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾.
لكن.. ماذا لو توفّر المال وغابت العافية؟ هذا السؤال لا يُطرح غالباً، إلا حين يواجه الإنسان محنة صحية حقيقية تُعيد ترتيب أفكاره وقيمه، وتجعله يُبصر نِعماً لم يكن يلتفت إليها.
فما قيمة المال حين لا يستطيع أن يخفف ألماً، أو يُعيد راحة، أو يمنحك القدرة على الحركة والنوم والابتسامة؟ في تلك اللحظات، يتجلّى معنى قول الله تعالى: ﴿وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾، وقوله: ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾. إنّ نعمة السمع، والبصر، والحركة، والنوم، والتنفس براحة، نعمٌ لا تُقدّر بثمن.
وقد يعتادها الإنسان حتى يظنّها أمراً عادياً، إلى أن يُمتحن فيها، فيدرك حينها أن الصحة ليست مجرد نعمة… بل هي أساس كل النعم الأخرى. وهنا تكمن المفارقة: فالمال، رغم ضرورته في رحلة العلاج، يبقى عاملًا مساعدًا لا أكثر.
نعم، قد يُقرّب فرصة الشفاء ويوفّر الرعاية، لكنه لا يضمن النتيجة، ولا يملك أن يصنع الطمأنينة وحده. ففي لحظات الضعف، ندرك أن الصحة نعمة لا تُشترى بالمال.
هذه ليست وقفة لتقليل أهمية المال، بل لإعادة التوازن في نظرتنا إليه. فالمال وسيلة لا غنى عنها، لكنها ليست كل شيء، ولا قيمة له إذا فُقدت الصحة. وعندما نضع «المال» و«العافية» في كفتي ميزان، سترجح بلا شك كفة العافية.
وهنا يجب أن نتوقف قليلاً لنتميّز بين حالتين: الأولى، من يُفرّط في صحته بإرادته، سواء بالإهمال أو الاستهتار أو تحت وطأة ضغوط متراكمة، فهو بذلك يضيّع الأمانة التي أودعها الله بين يديه، أما الثانية من ابتُلي بمرض رغم حرصه واهتمامه، فهذا جانبٌ من أقدار الحياة التي لا نملك لها قراراً، وهنا لا يجب على المريض أن يستسلم للضعف أو يترك قلبه يغرق في اليأس. فالله رحيم وقريبٌ من عباده، والفرج قد يأتي في لحظةٍ لا نتوقعها..
وختاماً.. هذه رسالة صادقة للمحافظة على الصحة، وتقديرها قبل فوات الأوان، وأن تكون أولوية في نمط حياتنا، وقراراتنا، وتفكيرنا.
ولتكن دعواتنا وأمنياتنا دائماً «بمقرونة بطلب العافية»، فالدعاء يصنع فارقاً حقيقياً في تفاصيل الحياة. «اللهم ارزقنا جميعاً ما نتمناه، ونحن في أتمّ الصحة والعافية».