05:38 م
الأحد 20 يوليو 2025
كتبت – سلمى سمير:
“لو كنت مكان مصر لرغبت في الحصول على مياه نهر النيل”، بهذه الكلمات تحدث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن أزمة سد النهضة، الذي شيّدته إثيوبيا على مجرى النيل الأزرق، مما أدى إلى تعقيد عملية وصول المياه إلى مصر. لم تكن هذه المرة الأولى التي يخوض فيها ترامب في هذا الملف، بل هي المرة الثالثة في فترة زمنية قصيرة، ركز خلالها على توجيه التصريحات تحديدًا نحو “سد النهضة”، وليس فقط تجاه مصر أو إثيوبيا.
لكن ما الهدف من هذه التصريحات المتكررة؟ وهل يسعى ترامب فعليًا لحل الأزمة، أم أن وراء تصريحاته أهدافًا خفية تخدم طموحاته السياسية ومصالحه الخاصة؟
أجندة خفية
وفي هذا الشأن، يقول المحلل السياسي المختص في الشأن الأمريكي، الدكتور مهدي عفيفي، في تصريحات خاصة لـ “مصراوي”، إن تصريحات ترامب بشأن سد النهضة لا يمكن فصلها عن أجندته السياسية الخاصة، موضحًا أن “ترامب غالبًا ما يُقحم نفسه في الملفات الدولية بهدف تحقيق مكاسب انتخابية أو شخصية، وليس بدافع المصلحة العامة أو رغبة حقيقية في حل الأزمات”.
وأوضح عفيفي أن “ترامب يعتقد دائمًا أنه قادر على استخدام ذكائه وعلاقاته التجارية والسياسية لتسويق نفسه كصانع صفقات، لكن تحركاته ترتبط غالبًا بتحقيق أهداف خفية، خاصة تلك التي تصب في مصلحة الجماعات الصهيونية التي دعمته، وتخدم مشروع إسرائيل الكبرى”.
وأضاف عفيفي: “نرى أن جميع الملفات التي يلوح بها ترامب – من غزة إلى إيران وسوريا ولبنان – تصب في اتجاه الضغط الإقليمي لصالح إسرائيل. وما يحدث في غزة من حرب وتجويع، أو في ملف التهجير إلى سيناء، أو حتى في استخدام ورقة سد النهضة، كلها أدوات ضمن هذا المخطط الأشمل الذي يخدم الأجندة الإسرائيلية”.
وأشار عفيفي إلى أن ترامب يسعى لاستخدام ملف سد النهضة كورقة ضغط جديدة ضد القاهرة، خاصة بعد فشل محاولاته في تمرير خطة تهجير الفلسطينيين إلى سيناء. وتابع: “ترامب يكرر عادته بإلقاء اللوم على إدارة بايدن في جميع الملفات، ويحرص على الظهور بمظهر رجل السلام والمنقذ، رغم أنه لم ينجح في الوفاء بوعوده السابقة سواء في أوكرانيا أو قطاع غزة”.
ولا يمكن الوثوق بوعود ترامب، بحسب دكتور مهدي، وذلك بعد أن سبق له أن وعد بحل الصراع الروسي الأوكراني خلال 24 ساعة من توليه السلطة، إضافة لتعهده بإنهاء الأزمة في غزة خلال أيام، لكنه لم يتمكن من تنفيذ أي من تلك التعهدات.
وتساءل: “أين كان ترامب حين كانت أزمة سد النهضة تتفاقم خلال ولايته الأولى؟ لم يتخذ أي خطوات حقيقية في هذا الملف، رغم أنه كان رئيسًا لمدة أربع سنوات. اليوم، يريد أن يُقنع العالم بأنه استيقظ فجأة ليتخذ موقفًا داعمًا لمصر؟! هذا غير منطقي”.
واختتم عفيفي حديثه بالتأكيد على أن، ما يهم ترامب فعليًا هو صورته أمام الناخب الأمريكي، ومصالحه الشخصية، وليس مصلحة مصر أو الفلسطينيين أو أي قضية دولية، قائلًا إنه يستخدم الملفات الدولية لتسويق نفسه داخليًا، ويُحرك أوراقًا مثل سد النهضة فقط لخدمة أجندته، وليس بهدف الوصول إلى حلول حقيقية.
في السياق ذاته، قال الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية والمحلل السياسي المتخصص في الشؤون الدولية، إن تصريحات ترامب حول سد النهضة تتسم بالتناقض، وتوجه رسائل متضاربة إلى أطراف متعددة، من مصر إلى إثيوبيا، مرورًا بمنطقة القرن الإفريقي والقارة الإفريقية بأسرها.
وفي تصريحاته لـ”مصراوي”، أشار فهمي إلى أن ترامب يحاول أن يقحم نفسه في ملف الأمن المائي الإفريقي، لكنه لا يقدم مقاربة واضحة أو رؤية متكاملة لحل الأزمة. بل يكتفي بإطلاق تصريحات فضفاضة لا ترتكز إلى وقائع دقيقة، كادعائه بأن الولايات المتحدة مولت سد النهضة، في حين أن تمويل المشروع جاء بمساهمة عدة قوى دولية وليس الولايات المتحدة وحدها.
وأضاف فهمي: “إذا كان ترامب جادًا في التدخل بهذا الملف وطرح حلول أو مقترحات واضحة، فذلك أمر مرحب به. لكن استمرار إطلاق التصريحات دون مضمون فعلي لا يخدم أحدًا، ولا يسهم في إحراز تقدم”.
وأكد أن القاهرة من جانبها ترحب بأي جهود دولية بناءة تُبذل لحلحلة أزمة سد النهضة، موضحًا أن تغريدة الرئيس عبد الفتاح السيسي الأخيرة تُعد إشارة إيجابية على انفتاح مصر تجاه أي مسار جاد للتعاون في هذا الملف، لكن المطلوب الآن هو الانتقال من الأقوال إلى الأفعال.
أربع خطوات تُظهر الجدية
ولخص فهمي الإجراءات العملية التي يجب أن تصاحب تصريحات ترامب في أربع نقاط رئيسية:
1.لعب دور الوسيط المباشر في ملف سد النهضة.
2.إعادة تفعيل دور “إعلام واشنطن”، كما حدث في وساطة واشنطن خلال الأزمة اللبنانية الأولى.
3.الدعوة إلى عقد قمة ثلاثية في العاصمة الأمريكية تجمع مصر، إثيوبيا، والولايات المتحدة.
4.ممارسة ضغوط حقيقية على الحكومة الإثيوبية للقبول بمشاركة مصر في إدارة وتشغيل السد.
وقال الدكتور فهمي، إن هذه الإجراءات هي التي يمكن البناء عليها إذا ما رغب ترامب أو أي طرف أمريكي في لعب دور فعلي في هذا الملف. أما التصريحات وحدها، فتبقى دون قيمة ما لم تُترجم إلى تحركات على الأرض.
غياب الرد الإثيوبي.. لماذا؟
وحول عدم وجود رد فعل رسمي من إثيوبيا حتى الآن على تصريحات ترامب، أوضح فهمي أن السبب يعود لغياب أي تحرك ملموس من جانب الإدارة الأمريكية. وأضاف: “حين تتحول التصريحات إلى خطوات عملية ورسائل مباشرة، حينها فقط يمكن أن نبدأ في رصد رد فعل إثيوبي حقيقي. أما الاكتفاء بالخطاب الإعلامي فلا يُجبر أديس أبابا على اتخاذ موقف”.
وختم بالقول: “حتى الآن، واشنطن لم تبلور موقفًا واضحًا، ولا تزال تتحرك بخطاب إعلامي غير مدعوم بتحرك دبلوماسي فعلي. وهذا هو السبب وراء استمرار تجاهل الجانب الإثيوبي لما يُقال، وترقّبه دون أي رد واضح”.
على جانب آخر، أثارت تصريحات الرئيس الأميركي، صدمة واسعة في الأوساط الإثيوبية بحسب صحيفة “ذا ريبورتر” الإثيوبية، التي قالت إن ترامب وُجهت له اتهامات بالانحياز الصريح لموقف مصر في النزاع حول مياه النيل.
وبحسب الصحيفة، أعرب إثيوبيون عن قلق بالغ إزاء ما وصفوه بتصريحات غير مبررة بحق سد النهضة، الذي تعتبره أديس أبابا مشروعًا سياديًا وطموحًا حيويًا لانتشال البلاد من الفقر وتحقيق التنمية، في مقابل مخاوف مصر من أن السد قد يهدد حصتها من مياه النيل التي تعتبر حقًا تاريخيًا.
وفي تصريحات لصحيفة “ذا ريبورتر”، وصف فقه أحمد نقاش، المدير التنفيذي السابق لمكتب إقليم النيل الشرقي الفني التابع لمبادرة حوض النيل، تصريحات ترامب بأنها “تحريضية ولا يمكن تجاهلها”، مشيرًا إلى أنها تعكس “انحيازًا صارخًا” لصالح مصر، رغم أنها لم تكن مفاجئة تمامًا من رئيس يتمتع بنزعة شعبوية.
وقال فقه أحمد، الذي شغل سابقًا منصب مدير شؤون الأنهار العابرة للحدود بوزارة المياه الإثيوبية، إن “ترامب يحمل ضغينة ضد إثيوبيا منذ رفضها الانصياع لجهوده الذاتية للتوسط بينها وبين مصر قبل ثماني سنوات خلال فترته الرئاسية الأولى”، مشيرًا إلى أن “المصريين نجحوا في دفعه إلى تبني موقف يطالب إثيوبيا بالتوقيع على اتفاق ملزم مع مصر والسودان بشأن سد النهضة”.
وأكد فقه أن “إثيوبيا لا يمكنها ولا ينبغي لها أن توقع مثل هذا الاتفاق”، موضحًا أن ذلك “سيُقيد احتياجاتها التنموية طويلة الأجل باستخدام مواردها الطبيعية داخل أراضيها”.
ورأى الخبير الإثيوبي أن الالتزامات الأميركية السابقة تجاه مصر، من بينها تلك التي تعود إلى اتفاقية كامب ديفيد، ما زالت تُلقي بظلالها على موقف الولايات المتحدة تجاه النزاع الإثيوبي-المصري بشأن مياه النيل، بحسب تعبيره.