السفيرة منى عمر: مصر قادرة على الحسم العسكري في سد النهضة.. لكنها تمنح
07:34 م
الثلاثاء 22 يوليه 2025
كتب – محمد جعفر:
تصوير – محمد معروف
قالت السفيرة منى عمر، مساعد وزير الخارجية الأسبق للشؤون الأفريقية، إن مصر تتعامل مع أزمة سد النهضة بمنتهى الحكمة والدبلوماسية، وتسعى للحل السياسي حتى آخر لحظة، لكنها في الوقت ذاته لا تتنازل عن حقوقها المائية وتحتفظ بحق الرد إذا تعرّضت مصالحها للخطر.
وأضافت عمر، في حوار لـ”مصراوي”، أن تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد حول افتتاح السد في سبتمبر لا تعني تطوراً حقيقياً في الأزمة، وإنما تأتي في إطار الدعاية الداخلية، مؤكدة أن مصر رغم امتلاكها القدرة على الحسم العسكري في دقائق، إلى أنها لا تلجأ لهذا الخيار إلا إذا استُنفدت كل وسائل التفاوض، وإلى نص الحوار:
بدايًة.. كيف ترين أوضاع الدول الإفريقية في السنوات الأخيرة خاصة على المستويين الأمني والاقتصادي؟
في تقديري، القارة الإفريقية شهدت خلال السنوات الأخيرة تطورات ملحوظة تدعو إلى التفاؤل، ورغم استمرار وجود بعض بؤر النزاع، فإن حدتها تراجعت مقارنة بالماضي، فعلى صعيد السلم والأمن، يمكن القول إن هناك تحسنًا ملموسًا، صحيح أن بعض الحركات الإرهابية ما زالت نشطة، لكنها أصبحت محصورة في مناطق محددة ونشاطها تقلّص بشكل كبير، فلم نعد نرى نفس حجم التهديد من القرصنة في البحر الأحمر أو قبالة سواحل الصومال، وحتى “حركة الشباب” هناك فقدت الكثير من قوتها، وكذلك “بوكو حرام” في نيجيريا، هذه كلها مؤشرات إيجابية على أن القارة تسير في اتجاه أكثر استقرارًا.
وعلى الصعيد الاقتصادي، هناك تجارب ناجحة أيضًا مثل رواندا التي أصبحت نموذجًا في معدلات النمو والتنمية، إلى جانب عدد من الدول التي شهدت تحسنًا واضحًا في مؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فضلًا عن جهود حقيقية تُبذل في قضايا المناخ والخدمات العامة.
كيف تقيمين التحركات المصرية في أفريقيا بعد 2013؟
على مستوى التحركات المصرية في القارة فالحقيقة أن السياسة الخارجية تجاه إفريقيا شهدت تحولًا نوعيًا منذ عام 2013، ويمكن القول إن أهم ما تحقق في هذه المرحلة هو عودة الدبلوماسية الرئاسية بقوة، وهو ما افتقدناه طويلًا، فمصر لم تكن غائبة عن القارة، لكن التمثيل الرئاسي كان محدودًا، وهو ما خلق انطباعًا خاطئًا لدى البعض بأننا غير حاضرين، واليوم، الأمر مختلف تمامًا؛ فالرئيس السيسي منح هذا الملف أولوية خاصة، وأصبح لمصر حضور قوي وفاعل في القارة.
اللافت أيضًا أن القيادة السياسية فتحت المجال أمام القطاع الخاص المصري للمشاركة في مشروعات ضخمة داخل القارة، وأصبح الرئيس يمثل إفريقيا في العديد من المحافل الدولية، وهو أمر منحنا ثقلًا سياسيًا جديدًا، فلم يغفل الرئيس الحديث عن القضايا الجوهرية التي تمس شعوب القارة، مثل قضية ديون الدول الإفريقية، وطرحها في كل مناسبة باعتبارها واحدة من أبرز التحديات، لذا يمكننا القول بإن العلاقات المصرية الإفريقية بعد 2013 شهدت نقلة نوعية، تقوم على التفاعل المباشر والمصالح المشتركة.
كيف تتشكل خريطة النفوذ الدولي في إفريقيا اليوم؟ وهل لا تزال القوى التقليدية، كأوروبا، تتصدر المشهد؟
الواقع أن إفريقيا أصبحت محل تنافس واسع بين مختلف القوى الدولية، لما تمتلكه من إمكانيات ضخمة، سواء من حيث الموارد الطبيعية أو البشرية، فهي تضم أكبر كتلة شبابية في العالم، في الوقت الذي تشهد فيه قارات مثل أوروبا والولايات المتحدة شيخوخة سكانية. لذلك يمكن القول إن إفريقيا تمثل “قارة المستقبل”.
ولذا فإنها دائماً محط أنظار القوى العالمية، ولكن الصين تُعدّ صاحبة النفوذ الأكبر حاليًا، بفضل ما تقدمه من تسهيلات مالية واستثمارات في البنية التحتية، من طرق وموانئ إلى قروض ومشروعات كبرى، هذا النفوذ الصيني يفوق ما تمتلكه الولايات المتحدة أو أوروبا حاليًا، كما برزت قوى إقليمية جديدة على الساحة، مثل الإمارات والسعودية وقطر، والتي تلعب دورًا متزايدًا في إفريقيا، خصوصًا في قطاعات حيوية كالموانئ والمطارات والموارد الطبيعية.
أما أوروبا، فما زال لها وجود، لكنه لم يعد بنفس الثقل السابق، والسبب في ذلك أن الوعي الشعبي داخل القارة تطوّر بشكل كبير، خصوصًا بين فئة الشباب، التي أصبحت أكثر تعليمًا وثقافة. ومع انتشار وسائل التواصل والإنترنت، باتت هناك مقاومة متزايدة لأي نفوذ خارجي لا يحترم إرادة الشعوب الإفريقية.
ما هو تقييمك للتحركات المصرية في مواجهة النفوذ الإقليمي والدولي داخل القارة الإفريقية؟
في تقديري، لا ينبغي النظر للوجود الدولي أو الإقليمي في إفريقيا باعتباره بالضرورة تهديد، فالفكرة ليست في “مواجهة النفوذ”، بل في كيفية إدارة هذا التواجد بما يحقق مصالح مشتركة ويخلق فرص تعاون حقيقية، يعني مثلاً لماذا لا نتشارك مع الصين أو السعودية والإمارات مثلاً في مشروعات زراعية كبرى داخل القارة؟ التمويل يمكن أن يأتي من تلك الدول، بينما تسهم مصر بخبراتها الفنية والكوادر البشرية المؤهلة، وبالطريقة دي سنحقق ربح متبادل دون أي صدام، والوضع نفسه ينطبق على قوى كبرى مثل الصين، فمشروع “طريق الحرير” نموذج واضح، ومصر لاعب أساسي فيه، ومن الأفضل أن نستثمر في هذه الشراكات بدلًا من اتخاذ موقف صدامي لا طائل منه، خاصة في ظل المتغيرات العالمية التي أنهت فكرة القطبية الواحدة، فالتحدي ليس في إقصاء الآخرين بل في أن نحجز لأنفسنا مكانًا مؤثرًا على طاولة التعاون.
رؤيتك للأزمة الراهنة في السودان؟ وإلى أي مدى تشكل تهديدًا على الأمن القومي المصري؟
الأزمة في السودان مأساوية بكل ما تحمله الكلمة من معنى ولا يمكن إطلاقا تجاهل المعاناة التي يشهدها السودان من سقوط ضحايا، وجرائم ضد النساء، ودمار للبنية التحتية، وهدم قرى ومؤسسات بالكامل، خاصة في دارفور والخرطوم، هذه التطورات تركت أثرًا نفسيًا وإنسانيًا عميقًا داخل الأشقاء، وتمسنا كمصريين، فالسودان امتداد طبيعي للأمن القومي المصري، ليس فقط من منظور جغرافي، بل أيضًا على مستوى الروابط العائلية والاجتماعية.
ورغم خطورة الأزمة الراهنة في السودان، فإنني لا أرى أنها تُشكل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري من الناحية العسكرية أو الأمنية، فخلال فترة النزاع هناك، لم نشهد حالات تسلل عبر الحدود أو عمليات إرهابية تمس الداخل المصري، لكن التأثير الأبرز للأزمة يتمثل في الجانب الاقتصادي والاجتماعي، نتيجة حركة النزوح الكبيرة من السودان إلى مصر، صحيح أن الكثير منهم قدموا إلى مصر بمواردهم الخاصة، ويدفعون مقابل السكن والخدمات، إلا أن ذلك فرض ضغطًا على الموارد المحدودة، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها مصر.
في ظل التركيز الإقليمي والدولي على العدوان على غزة، هل ترين أن مأساة السودان أقل حدة؟ وما قراءتك للتداعيات الإنسانية والسياسية إذا استمر الصراع هناك دون حل؟
رغم فداحة ما يحدث في غزة من عدوان وجرائم، فإن ما يجري في السودان لا يقل مأساوية، بل قد يكون أشد وطأة، لأن الصراع هناك داخلي بين أبناء الوطن الواحد، وليس بين شعب ومحتل، فعدد الضحايا في السودان تجاوز ما سُجل في غزة، والمؤلم أن من يقتل هم إخوة، لا أعداء خارجيون، ما يجعل الألم الإنساني أعمق والجراح أكثر تعقيدًا.
أما عن مستقبل الصراع، فأنا لا أعتقد أن استمراره ممكن إلى ما لا نهاية، صحيح أن الأزمة لا تزال مستعصية والحل السياسي بعيد، لكن هناك مؤشرات إيجابية بدأت تظهر، أبرزها استعادة الجيش السوداني لعدد من المدن التي كانت تحت سيطرة قوات الدعم السريع، وبدء محاولات جزئية لإعادة مؤسسات الدولة، فالصراع قد يطول، لكنه حتمًا لن يستمر بهذه الصورة إلى الأبد، لذا يجب على قوات الدعم السريع التوقف عن القتال، وأن تلقي السلاح وتكف عن استهداف المدنيين، لأن استمرار هذا النهج لا يمكن أن يؤدي إلا إلى المزيد من الدمار وسفك الدماء.
الرئيس ترامب قال في تصريحات له إن الولايات المتحدة “موّلت سد النهضة بغباء”، برأيك، هل هناك بالفعل تمويل أمريكي أو إسرائيلي للسد؟ وكيف تقيمين خلفية هذه الادعاءات؟
أرى أن تصريحات الرئيس ترامب حول تمويل الولايات المتحدة لسد النهضة لا تستند إلى أي حقائق موثقة، وهي أقرب إلى الانطباعات السياسية منها إلى الوقائع، فخلال فترة عملي الدبلوماسي في أديس أبابا، تابعت عن قرب آليات تمويل السد، وقد اعتمد بشكل أساسي على مساهمات الجاليات الإثيوبية في الخارج، إلى جانب اقتطاعات مباشرة من أجور الموظفين الحكوميين، وليس على تمويل خارجي مباشر، سواء من أمريكا أو غيرها.
ولو كان هناك تمويل فعلي من واشنطن كما يدعي ترامب، لكانت أمريكا قد استخدمت هذا النفوذ المالي للضغط على إثيوبيا من أجل توقيع الاتفاق الذي أُعد خلال مفاوضات واشنطن 2019-2020، برعاية وزير الخزانة الأمريكي وقتها، ستيفن منوتشين، لكن امتناع إثيوبيا عن التوقيع وقتها يُثبت أنها لم تكن واقعة تحت ضغط أمريكي مالي.
أما فيما يتعلق بإسرائيل، فالعلاقات بينها وبين إثيوبيا قديمة وذات طابع تاريخي، ولا ترتبط بسد النهضة تحديدًا، فهناك مثلاً طائفة يهودية إثيوبية تُعرف بيهود الفلاشا، وتم نقل الآلاف منهم إلى إسرائيل في عمليات سرية، وهذا يفسر عمق العلاقة بين الطرفين، ومع ذلك، لا توجد مؤشرات تؤكد وجود دور إسرائيلي مباشر في بناء أو إدارة السد.
في ظل تعثر مفاوضات سد النهضة، ومع إعلان آبي أحمد عن افتتاح السد في سبتمبر، كيف ترين الموقف المصري؟ وهل الخيار العسكري لا يزال مطروحًا؟
الحقيقة أن مفاوضات سد النهضة تشهد حالة من الجمود منذ فترة طويلة، خاصة بعد توقف المحادثات الثلاثية بين مصر والسودان وإثيوبيا، والدعوة التي وجهها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد للاحتفال بافتتاح السد في سبتمبر المقبل لا تعكس تطورًا حقيقيًا في الأزمة، بل هي موجهة في الأساس للاستهلاك الداخلي الإثيوبي، كجزء من حملة دعائية سياسية، فالسد وفقًا لما أكده خبراء لم يكتمل حتى الآن، وبرغم عدم وجود أي نتائج ملموسة على الأرض، تسعى إثيوبيا عبر هذه الدعوة لإيصال رسائل مزدوجة: واحدة للداخل تفيد بإنجاز سياسي، وأخرى للخارج مفادها أنها لا تسعى لإلحاق الضرر بمصر والسودان، وهو ما يخالف الواقع.
أما بشأن الخيار العسكري، فمصر لا تسعى إليه رغم امتلاكها القدرة على حسم المسألة في دقائق، لكن القيادة السياسية وعلى رأسها الرئيس عبد الفتاح السيسي تفضل دائمًا منح الفرصة للدبلوماسية إلى آخر مدى، وهو موقف يحظى بالاحترام ويعكس حرص الدولة المصرية على السلام والاستقرار، ومع ذلك، يبقى من حق مصر تدافع عن مصالحها المائية إذا تعرضت لأي ضرر، خاصة بعد أكثر من 11 عامًا من التفاوض دون نتيجة، في ظل تعنت الطرف الإثيوبي وعدم احترامه للقانون الدولي.
أخيراً.. مصر أكدت مراراً أن البحر الأحمر يمثل خطًا أحمر، كيف تقيّمين المحاولات الإثيوبية للحصول على منفذ بحري؟
إثيوبيا، باعتبارها دولة غير مشاطئة، سعت مؤخرًا للحصول على منفذ على البحر الأحمر من خلال اتفاق مع إقليم أرض الصومال، رغم أن ذلك يشكل انتهاكًا صريحًا لسيادة الدولة الصومالية، ولكن هذا التحرك قوبل برفض واضح وصريح من جانب مصر، التي تحركت على المستويين الثنائي والدولي للتصدي له، وقد نجحنا بالفعل في إجهاض هذا المسار بعد إعلان الصومال رفضها لهذا الاتفاق، مما حال دون تنفيذه.