الأزمات تمر.. والدروس تبقى | صحيفة الوطن
تمرّ المجتمعات بمنعطفاتٍ فارقة، لا تُقاس شدّتها بحجم الأزمة فحسب، بل بما تكشفه من نضجٍ مجتمعيّ، وكيفية إدارة الأفراد وتعاملهم مع الحدث، كما أنها تعطينا مؤشّراً على مدى تطور الفكر المجتمعي وقدرته على احتواء المواقف، وهذا أمر يعد مدعاة للاعتزاز، ولكن في الوقت نفسه يجب أن تُستثمر الأحداث لتكون بمثابة فرصة تدريبية وتجربة واقعية تُعلّمنا وتُهيئنا للتعامل مع أي حدث يمكن أن نعيشه.
ولنا وقفة سريعة مع ما جرى مؤخراً حين انطلقت صفارات الإنذار يوم الاثنين الماضي، فقد كشفت هذه التجربة عن تباين في التعامل مع الحدث، فبينما التزم البعض بالهدوء واتباع التعليمات، استسلم آخرون لحالة من الهلع نتيجة الرسائل والمقاطع المتداولة، ورغم التوعية المسبقة من قِبل الجهات المعنية، فإنّ ردود الفعل عند انطلاق صفارات الإنذار كشفت تبايناً في الفهم والتعامل، إذ لم تكن الصفارات تعني بالضرورة «خطراً مباشراً»، بل جاءت كإجراء احترازي لتنظيم حركة الأفراد وتوجّيههم لاتباع الإرشادات حفاظاً على سلامتهم وضمان أمانهم وحمايتهم لا لإثارة الذعر أو الفوضى حتى أن تنتهي الفترة بسلام، ولذلك في مثل هذه الأوقات يصبح الرجوع إلى المصادر الرسمية واجباً وطنياً لا خياراً شخصياً فالشائعات التي تصدر من بعض وسائل التواصل الاجتماعي، أو غيرها من التي يُرددها البعض بدافع الخوف أو العاطفة، تخلق فوضى من نوع آخر، فتُربك أفراد المجتمع من مواطنين ومقيمين، وتعيق عمل الجهات المختصة.
ومن جانب إنساني تظلّ الفئات الأخرى في المجتمع كالأطفال وكبار السنّ أكثر فئة عرضة للتأثر النفسي تجاه أي حدث، فهُم يلتقطون القلق من نبرة الصوت ونظرات العين وملامح الوجه والمشاهد المتداولة وما يُقال أمامهم يؤثّر فيهم ولذلك فهم يحتاجون لتوضيح مطمئن يُعزّز لديهم الشعور بالأمان، ويمنحهم الطمأنينة في وقت الأزمات.
ومن هنا، تنبع أيضاً أهميةُ بناء جيلٍ واعدٍ متّزن، لا تهزّه الأزمات، بل تزرع فيه الصلابة والثبات؛ جيل لا يُستهلك مع التيار، بل يمتلك القدرة على التمييز بين الحقيقة والتزييف، ويتعامل مع ما يصله من معلومات بتعقّل ووعي، لا بانفعال أو انسياق خلف الشائعات؛ جيلٌ نُهيّئه ليكون درعاً وسنداً لوطنه، لا سيّما في أوقات الأزمات.ونحن في مملكة البحرين، نحمد الله على ما نعيشه من أمن واستقرار. ونرفع أسمى عبارات الشكر لأبناء هذا الوطن، الذين أبدوا حرصاً وتعاوناً مشهوداً، كما نثمّن جهود كافة الجهات الأمنية والصحية والدفاعية، التي عملت بتفانٍ وسهرت لأجل سلامتنا، لتُثبت مرة بعد مرة أنّ المواطن هو الأولوية.
وختاماً.. كل أزمة، درسٌ نتعلّمه، وكل تجربة، فرصةٌ للارتقاء. فلنحمد الله على ما نحن فيه ولنتذكّر أنّ هناك من يعيش في دولٍ تفتقر إلى أبسط مقوّمات الأمان، فلنكن نحن صوت الطمأنينة، لا القلق، وصوت الحكمة، لا الانفعال، حتى نخرج من الأزمات بدروس تبني، لا تُشتّت، وتُثبّت، لا تُضعف. ودامت مملكتنا آمنة مطمئنة وسائر بلاد المسلمين.