المخدرات.. ثقة كبيرة بوعي المجتمع
رغم الأرقام الصادمة التي وردت في لقاء الزميل وليد صبري مع مدير عام الإدارة العامة للمباحث والأدلة الجنائية، اللواء عبدالعزيز الرميحي، حول عدد قضايا المخدرات التي تم ضبطها منذ بداية العام الجاري وحتى نهاية شهر أبريل الماضي، والتي بلغت 710 قضايا، إلا أنني أشعر بكثير من الأمل، وأنا أتابع ما تقوم به الدولة من إجراءات للحد من انتشار هذه الظاهرة بين شبابنا.
وما يشعرني بالفخر أكثر، هو تكريس الدولة لجهودها وإمكاناتها من أجل إنقاذ أولئك الذين سقطوا ضحايا في فخ هذه الآفة القاتلة، إذ تؤمن الأجهزة المعنية بأن من أخطأ في حق نفسه وعائلته ومجتمعه لا يزال يستحق فرصة ثانية للعلاج والتعافي، ليعود مواطناً صالحاً فاعلاً في وطنه.
ولأني من المؤمنين بأن المخدرات ليست مجرد مواد سامة، بل أداة تخريب منظمة تستهدف طاقة الوطن وأمله، فإن مواجهتها تتطلب أدوات غير تقليدية، وأفكاراً خلاقة، قادرة على بناء حاجز متين يحمي شبابنا من الوقوع في هذا المستنقع، حيث تزداد خطورة هذه الظاهرة في ظل تطورها السريع، وتحولها من تجارة خفية إلى شبكات رقمية عابرة للحدود، تتقن التمويه وتستخدم أساليب خبيثة للتغرير بالمراهقين.
القضية لا تقف عند حدود الأمن، بل تتجاوزها لتصبح مسألة اجتماعية وصحية واقتصادية، فالمخدرات تستنزف الطاقات وتفكك الأسر، وتثقل كاهل الدولة بتكاليف العلاج والتأهيل، فضلاً عن ما تسببه من اضطرابات مجتمعية وأمنية.
وما يبعث على الاطمئنان أن البحرين أدركت باكراً حجم التهديد، وانتقلت من المقاربة الأمنية البحتة إلى استراتيجية شاملة تعتمد على الوقاية والتوعية، وتستند إلى شراكة حقيقية مع مختلف الجهات الرسمية والمجتمعية، مدارس وجامعات وإعلام ومؤسسات المجتمع المدني.. جميعها باتت جزءاً من منظومة متكاملة تسهم في التصدي لهذه الظاهرة من جذورها.
وتدل الأرقام على أن الحملات التوعوية وصلت إلى آلاف المواطنين والمقيمين، واستهدفت الفئات الأكثر عرضة للخطر من خلال المحاضرات والمعارض وورش العمل والبرامج الإعلامية، كما أن برنامج «تعافي»، الذي حاز جوائز دولية، يشكل نموذجاً حياً على أن الدولة لا تكتفي بمحاربة المروجين، بل تسعى إلى احتواء الضحايا وتمكينهم من استعادة حياتهم وكرامتهم.
لكن كل هذه الجهود، مهما بلغت قوتها، تبقى رهينة بمدى صدق وانخراط المجتمع، فالصمت نوع من التواطؤ، واللامبالاة أخطر من المؤامرة، لذلك لابد أن نغادر مرحلة المراقبة فقط، وأن يدرك كل فرد مسؤوليته؛ الأب والمعلم والإعلامي ورجل الدين.. كلهم شركاء في معركة لا تحتمل التراخي.
إن المخدرات ليست مشكلة قطاع، بل تحدياً وطنياً وجودياً، والانتصار في هذه المعركة لا يتحقق إلا إذا توحدت الجهود وتكاملت الأدوار، فكل شاب ننقذه اليوم هو مستقبل لعائلة وسند لوطن، وخطوة نحو بحرين أكثر أماناً وإنسانية.