أخبار العالم

صاحب «شخصية قوية».. لكنه «ضعيف»!!

[


]

كان يحدثني، وفجأة صمت ليرمق شخصاً يبدو من «تأنقه» أنه مسؤول. قال لي: فلان شخصيته قوية! سألته: كيف عرفت؟! أجاب: يخافون منه! سألته: هل تعني أن أسلوبه خالٍ من احترام الغير؟! أو لديه «تنمر» دائم؟! أو يتعامل بـ«غطرسة»؟! اندهش وهز رأسه موافقاً، فقلت له: هذا ليس صاحب شخصية قوية، بل شخص ضعيف!

كثيرون يخطئون في فهمهم لتعريف «الشخصية القوية». يظنون أن صاحبها هو ذاك المتجهم، الغاضب دائماً، الذي يفرض نفسه بالصراخ والتعنيف والتسلط. يتخيلونه شخصاً لا يبتسم، لا يرحم، لا يلين، ولا يراجع قراراته. يعتقدون -وهنا الخطأ- أن القوة تعني الغطرسة، وأن الهيبة لا تُكتسب إلا بالتجبر، وأن الاحترام لا يُنال إلا بزرع الخوف في القلوب.

للأسف، هذه صورة نمطية سائدة في كثير من البيئات الاجتماعية والمهنية، وهي التي أنتجت نماذج مشوهة من القادة والمديرين والأفراد الذين يظنون أن القسوة طريق للهيبة، وأن الصراخ نوع من القيادة، وأن العنف اللفظي والتهديد أدوات لإثبات الذات.

قوة الشخصية لا تُقاس بعلو الصوت، بل بعمق التأثير. الشخص القوي هو من إذا حضر، حضر التوازن وتجلت الحكمة.

هو من يُشعر الناس بطمأنينة، لا بقلق. هو من يدفع الآخرين للأفضل، لا يرهبهم ليسكتوا. قوة الشخصية الحقيقية تتجلى في القدرة على التأثير الإيجابي، في بناء من حولك لا هدمهم، في تحفيز الفرق لا تحطيمها، في خلق بيئة يشعر فيها الجميع بأنهم مرئيون ومسموعون ومقدرون وآمنون.

الشخصية القوية لا تفرض قراراتها بطريقة استبدادية، بل تُقنع بها بذكاء وثقة. هي تملك من الشجاعة ما يكفي لتراجع قراراتها، وتعتذر إذا أخطأت، وتمنح الآخرين مساحتهم ليبدعوا.

صاحب الشخصية القوية لا يحتاج أن «يُخيف» الآخرين ليشعر بالقوة، لأن حضوره نفسه يفرض الاحترام دون حاجة للتهديد. هو من يدير الناس بعدل وإنصاف، لا من يذلّهم ليشعر بالسلطة.

هو من يربط القوة بالقيم، لا بالكراسي والمناصب. هو من صوته يرتفع فقط حين يرى الظلم، وحين تُنتهك القيم، لا حين يخطئ موظف أو يُختلف مع رأيه.

من يظن أن الصراخ على الناس، والاستهزاء بهم، والتسلط عليهم، هو ما يصنع منه «شخصية قوية»، فهو في الحقيقة يُعاني ضعفاً داخلياً عميقاً، يخفيه خلف ستار من القسوة المفتعلة.

وهو بحاجة لمعالجة هذا الخلل؛ لأن القوي، هو الذي يملك نفسه حين يغضب، ويعامل الناس برقي حتى في قمة الاختلاف.

قوة الشخصية، ليست في أن يخشاك الناس، بل في أن يحترموك بإرادتهم، ويثقوا بك من أعماقهم، ويشعروا بفجوة غيابك لا برحيل عبءٍ عنهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock