الصراع بين ترامب والفيدرالي.. مَن ينتصر؟
[
]
يواجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب معركة شرسة مع الاحتياطي الفيدرالي، ممثلاً برئيسه جيروم باول، حول سياسات أسعار الفائدة حيث يريد ترامب خفضاً سريعاً وكبيراً للفائدة إلى حد (1%) لتحفيز النمو وتقليل تكاليف الاقتراض الحكومي، بينما يصر باول على النهج الحذر، محذراً من مخاطر التضخم الناتج عن الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب نفسه .
الثابت أن الفيدرالي مؤسسة مستقرة منذ سبعينيات القرن الماضي، وتجربة تدخل نيكسون في 1972 (التي أدت إلى تضخم جامح) جعلت استقلاليته حجر أساس يحاول ترامب الآن كسر هذه القاعدة عبر الضغط العلني من خلال وصف باول بـ«الغبي» واتهامه بالتسبب في تكبد الولايات المتحدة خسائر بمليارات الدولارات، تمهيداً لإعلان خليفة لباول (مثل كيفن وورش أو سكوت بيسنت) قبل نهاية ولايته في 2026، ومحاولاً توجيه السياسة النقدية مسبقاً، لكن الصعوبة تكمن في أن لجنة الفيدرالي المكونة من 12 عضواً لا يمكن السيطرة عليهم من قبل ترامب إلا إذا استقال الأعضاء، مما يحد من تأثيره المباشر، كما لا يستطيع ترامب عزل باول إلا لسبب مبرر (كالمخالفة الأخلاقية) وهو أمر مستبعد.
وتمثل ردة فعل السوق أمام أي تدخل سياسي صارخ في السياسة النقدية الأمريكية عائقاً كبيراً آخر أمام محاولات ترامب، فالمؤكد أن أي تدخل قد يهز ثقة المستثمرين، خاصة مع تراجع الدولار بالفعل؛ بسبب التكهنات بصراع السياسة النقدية حيث يفضل باول موازنة المخاطر، بينما يرى ترامب أن التضخم تحت السيطرة، ويجب التركيز على تجنب الركود.
يعد الصراع بين ترامب والفيدرالي اختباراً لمستقبل السياسة النقدية الأمريكية وتأثيرها على الاقتصاد فإذا نجح ترامب في فرض سياسته، فقد يؤدي ذلك إلى خفض الفائدة وهو ما قد يعزز النمو، ويخفض تكاليف الاقتراض للشركات والأفراد، مما يحسن مؤشرات سوق الأسهم، ويقلل من مخاطر الركود، أما إذا تم تخفيض الفائدة بشكل مفرط، فقد يعيد ذلك إشعال التضخم، خاصة مع استمرار تأثير الرسوم الجمركية على أسعار السلع، لكن توقعات معظم الخبراء والمتخصصين تشير إلى أن التدخل السياسي في قرارات الفيدرالي قد يضعف مصداقيته كجهة مستقلة، مما يزيد من تقلبات الأسواق على المدى المتوسط.
وفي سيناريو آخر يتوقع ترسيخ سابقة تقلل من قدرة الرؤساء المستقبليين على الضغط على البنك المركزي، وفي حالة صمود الفيدرالي في مواجهة عاصفة ترامب، فيتوقع أن الحفاظ على أسعار فائدة معتدلة سيحد من التضخم، لكنه قد يبطئ النمو الاقتصادي، مما يعرض ترامب لانتقادات سياسية.
لكن في الأغلب، وبحسب توقعاتي فإن الفيدرالي سيتجنب المواجهة المباشرة مع ترامب عبر خفض تدريجي للفائدة ( بنسبة 25 نقطة) خلال الفترات المقبلة، مع الحفاظ على خطاب يحذر من التضخم، لكن إذا أصر ترامب على تعيين رئيس جديد، فقد يدفع ذلك إلى معركة قانونية حول شرعية إقالة باول، وغضب جزء كبير من الشارع الأمريكي؛ مما يخلق حالة من عدم اليقين في الأسواق، ويشكك في مصداقية الفيدرالي.
معركة ترامب وباول هي صدام بين رؤيتين، سياسة نقدية مستقرة وفق معطيات مدروسة تقاوم التضخم، وسياسة قصيرة الأجل تهدف لتحفيز النمو حتى لو كان الثمن تضخماً مستقبلياً، السوابق تشير إلى أن الفيدرالي قد يكون الأقوى، لكن إصرار ترامب ومناوراته السياسية قد تفرض واقعاً جديداً، وفي النهاية، الاقتصاد الأمريكي هو الذي سيدفع الثمن إذا انتهى الصراع لصالح الأجندات السياسية على حساب السياسات الاقتصادية الرشيدة.