أخبار العالم

«الوطن».. حين تمسك الصحافة بيد الحياة

[


]

لم تكن الكاميرا هي التي التقطت اللحظة بل القلب؛ الحكاية لم تبدأ من المطار، بل من عمق الوجع الإنساني، فهناك، في زوايا النسيان، تنمو القصص التي لا يعرفها أحد، وتنتظر من يمد لها يداً لتروى لا لتكتب فقط، وبين عشرات القصص التي تمضي بصمت، كانت هناك قصة اختارت أن تولد من رحم الصحافة لا من ذاكرة الحنين.

نهى؛ ابنة الثلاث سنوات حين افترقت عن أمها كبرت على صورة باهتة ورسالة مهترئة، وأمل عالق لا تمحوه السنوات، فيما الأم «نضال» أنهكها الفقد، لكنها لم تفقد الأمل، وبين القلبين كانت صحيفة «الوطن» البحرينية تقرأ ما بين السطور، وتسمع ما لا يقال، وتمضي وراء الخيط الرفيع حتى تعيد وصل ما انقطع منذ 33 عاماً.

هذه ليست قصة عن لقاء مؤثر فقط؛ بل عن معنى أعمق لما يجب أن تكون عليه الصحافة حين تمارس المهنة بضمير حي، فتصبح الكلمة جسراً، وتتحول الكاميرا إلى بوصلة للإنسانية، في زمن يركض خلف العناوين العاجلة، كانت «الوطن» تركض خلف قلب موجوع وحلم مؤجل ووعد لا يزال حيّاً في صدر أم وابنة.

لم تكن لحظة اللقاء مجرد «سبق صحفي»، بل شهادة على أن الصحافة قادرة على أن تفعل أكثر من نقل الوقائع؛ أن تعيد الأم إلى ابنتها، وتعيد البسمة إلى وجه نسي شكلها، وأن تضع الإنسانية فوق المانشيت.

في المطار لم يكن الحاضرون يقرؤون خبراً؛ بل يعيشون فصلاً من فصول الرحمة، ويشهدون كيف يمكن لجهد صحافي أن يغير مسار حياة بأكملها، فـ «نهى» لم تكن تعرف أن الحروف التي كتبتها ستجد من يسمعها ويصدقها ويحملها على عاتقه حتى تتحقق، ذلك هو دور الصحافي الحقيقي بأن يكون حارس الوجع وناقل الرجاء.

هذا النوع من الصحافة لا يدرس في الكليات، ولا يقاس بعدد القراءات أو المشاركات، بل يوزن بارتجاف قلب وضمة احتضان، هو عمل لا يحركه السبق، بل الإيمان بأن في كل حكاية حقاً مهملاً وأملاً مؤجلاً وروحاً تنتظر من يصغي.

اليوم، نرفع القبعة للصحافة حين تمارس وظيفتها النبيلة، لا كسلطة رابعة فقط، بل كقلب خامس في الجسد الاجتماعي، يضخ الحياة في أماكن جف فيها الأمل، نرفعها لكل من آمن أن الكلمة قد تداوي وتغير وتعيد للمفقودين وجوههم وللمنسيين أسماءهم وللأمهات بناتهم.

وفي زمن تعلو فيه الضوضاء، كانت «الوطن» في هذه القصة صوتاً هادئاً يهمس في أذن الحياة «ما زال فينا إنسان».

إضاءة

لأن الصحافة التي تنقذ الأرواح تستحق من يحتضنها؛ جاء تكريم رئيس تحرير صحيفة «الوطن»، الأستاذ عبدالله الهامي، للزميل مروان الجميلي تأكيداً على هذا النهج الإنساني، فالتقدير لم يكن لشخصه فقط، بل لرسالة تمثل توجه الجريدة في تبني القصص التي تمس القلوب، وتشجيع الزملاء على أن يكونوا أكثر من ناقلي خبر؛ أن يكونوا صانعي أمل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock