أخبار العالم

“روبلوكس”.. لعبة أم مصيدة؟ | صحيفة الوطن

[


]

عبدالمنعم إبراهيم

في زمن تحوّلت فيه التكنولوجيا من أداة مساعدة إلى واقع بديل، لم يعد الطفل بحاجة إلى ساحة لعب حقيقية أو دفء عائلة، بل يكفيه جهاز لوحي واتصال بالإنترنت ليغوص في عالم افتراضي يزعم أنه يمنحه الحرية والمتعة. ومن بين تلك العوالم الأكثر جذباً، تتربّع لعبة “روبلوكس”، التي تجاوزت كونها ترفيهاً بريئاً، لتصبح -بكل هدوء- مصيدة ذكية تلتهم وعي الأطفال وقيمهم قطعةً قطعة.

روبلوكس ليست مجرد لعبة، بل منصة مفتوحة تسمح بإنشاء ألعاب، وتبادل محادثات، وتقديم محتوى غير خاضع لرقابة حقيقية. وهنا تبدأ الكارثة، إذ يتعرض الطفل لعوالم مشبعة بالعنف، وسلوكيات شاذة، ومفاهيم مقلوبة حول النجاح والثروة. تدريجياً، يقتنع أن الغش مقبول، وأن المظاهر معيار التفوق، وهو ما لاحظته شخصياً في هذه اللعبة حيث أصبح الأطفال يركزون على كلمة (بوق) أي اسرق! فالسبيل للحصول على قطعة مميزة في اللعبة هو أن تشتريها أو تسرقها من لاعب آخر، وهو أكثر شيوعاً وأكثر متعة لدى الأطفال.

الأدهى من ذلك أن اللعبة تسمح بالتواصل المباشر مع لاعبين من مختلف الدول، بما في ذلك الغرباء المتنكرين في شخصيات أطفال. وهذا ما يجعل الطفل عرضة للتحرش، أو التنمّر، أو الابتزاز الرقمي، دون أن يُدرك حدود الخطر. وقائع كثيرة أُبلغ عنها، انتهت بصدمات نفسية حادة لأطفالٍ لم يتجاوزوا العاشرة، كما أن ضعف الرقابة الأسرية والمجتمعية يضاعف من هذا الخطر.

فعلى سبيل المثال، وفقاً لتقرير Hindenburg Research عام 2024، تحتوي روبلوكس على محتوى غير لائق مثل ألعاب جنسية وعنيفة يمكن للأطفال الوصول إليها بسهولة بسبب ضعف الإشراف. وفي تقرير لـFBI عام 2023، سُجلت زيادة بنسبة 300% في حالات استدراج الأطفال عبر الإنترنت بين 2021 و2023.

وأخيراً، أظهرت دراسات الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال عام 2023 أن الاستخدام المفرط لروبلوكس يمكن أن يؤدي إلى إدمان رقمي، حيث يقضي 21% من أطفال الولايات المتحدة أكثر من 10 ساعات أسبوعياً على المنصة.

ثم يأتي البُعد الاستهلاكي، إذ تُغري اللعبة الأطفال بشراء عملة “روبكس” مقابل أموال حقيقية. هذه الميزة لا تعلّم الطفل قيمة الادخار، بل تدفعه إلى الإنفاق الجشع، وقد يلجأ إلى استخدام بطاقات الأهل دون إذن، فقط لشراء عناصر افتراضية تمنحه تميزاً زائفاً بين أقرانه.

ومع استمرار الانغماس، يفقد الطفل شغفه بالعالم الحقيقي، وتذبل علاقاته الاجتماعية، وتتشوّه شخصيته. يصبح أكثر انعزالاً، أقل تركيزاً، وتغيب عنه مفاهيم التفاعل والاحترام والمسؤولية، سنوات من التربية الأسرية والمدرسية، تنهار أمام لعبة واحدة خلال أيام.

إن خطر روبلوكس لا يهدد طفلاً فرداً، بل جيلاً بأكمله. لذا، لم تعد المسؤولية تقع على الأسرة وحدها، بل على الجهات المعنية أن تتحرك، من خلال قرارات صارمة وأن تصل لحد منعها كما فعلت بعض الدول، وأن تكون هناك حملات توعية، وبدائل ذكية وآمنة تُعيد للطفولة معناها الحقيقي، وتقيها من براثن الإدمان الإلكتروني وتأثيراته السلبية.

فأطفالنا ليسوا مشروعاً رقمياً، بل نواة الوطن، وإذا تُركوا في قبضة المنصات، فلن نخسر براءتهم فقط، بل نخسر المستقبل بأكمله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock