أخبار العالم

حين تصبح الجريمة محتوى | صحيفة الوطن

[


]

«الحكم بالإعدام لقاتل جاره بمنطقة الشاخورة».. «المؤبد لمتهم في واقعة القتل العمد وإشعال حريق بسكن عمال في توبلي»، عنوانان صدرا مؤخراً في «الوطن»؛ جريمتان عنيفتان وقعتا بيننا، وفي أحياء نعرفها، وربما تعامل بعضنا مع الجناة، أو مر بهم يوماً في طريق أو متجر.

فيما مضى كانت مثل هذه الأخبار كفيلة بأن ترفع مبيعات الصحف، وتشعل المجالس بالنقاش، كان كثير من القراء يشترون الجريدة لأجل صفحة الحوادث أولاً، ثم يأتي ما بعدها، فقد كانت تلك الصفحة مزيجاً من فضول وخوف ودهشة وتعاطف.

لكن شيئاً ما تغير، لم تعد صفحات الحوادث تجذبنا كما كانت، ليس لأن الجريمة تراجعت، بل لأن حضورها في حياتنا أصبح مختلفاً تماماً.

اليوم، لم تعد أخبار القتل تقرأ في اليوم التالي، بل يمكن أن تشاهد مباشرة، المجرم لم يعد ينتظر الصحف لتروي حكايته، بل أصبح يرويها بنفسه وعلى الهواء.

من بث مباشر لجرائم مروعة، إلى حالات انتحار حية على تيك توك، إلى مشاهد قتل جماعي توثق بكاميرا الجاني نفسه، أصبحت الجريمة جزءاً من «المحتوى»، تستهلك كما تستهلك المقاطع الترفيهية، فلم يعد بيننا وبين العنف حجاب.

أصبحنا نشاهد الجثث قبل أن تبرد، ودموع أهل القتيل وهي تسيل، وصوت الطلقات وهو يخترق الجدران، كل شيء بات مباشراً ومكشوفاً وأحياناً بلا سياق.

صفحات الحوادث كانت تحكي لنا الجريمة بعد أن تبرد، بعد أن تروى وتحرر وتحقق، أما اليوم فنحن في عصر «الوقائع الخام»، نشاهد الجريمة لحظة بلحظة، ونمر بها كما نمر على إعلان عن عرض في السوبر ماركت، لا مجال للتحليل، ولا مكان للخيال أو التأمل أو حتى التأثر الحقيقي.

صرنا نحفظ تفاصيل التعذيب، وأشكال الجثث، وتسجيلات الاعترافات، كما نحفظ أسماء المشاهير.

تحوّلت الجريمة من صدمة إلى «ترند»، ومن مأساة إلى «ترفيه مظلم»، فهل بقي شيء يجعلنا نلتفت إلى صفحات الحوادث؟ ربما لم يبقَ سوى القليل ممن يبحثون عن التفاصيل القانونية، أو خلفيات الجريمة، أو أثرها المجتمعي، أما الغالبية فقد أصبحوا جمهوراً يتنقل من جريمة لأخرى بإصبع على الشاشة وقلب بلا أثر.

لماذا لم تعد صفحات الحوادث تجذبنا؟ لأنها تأخرت كثيراً عن زمن السرعة، ولأن الجريمة، للأسف، خرجت من الصفحة ودخلت إلى حياتنا.

إضاءة

يقول أحد المتخصصين في علم النفس الإعلامي: «إن تعرض الجمهور اليومي للمشاهد العنيفة دون معالجة سردية أو تأطير إنساني يضعف من استجابتهم الأخلاقية، ويخلق نوعاً من التخدير العاطفي تجاه الألم والمأساة. الجريمة لم تعد تناقش… بل تستهلك».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock